“الرجل الحقيقي: زواج ووظيفة.” أنطون تشيخوف، مازحا.
عند زواجه من الممثلة أولغا كنيبر، كان تشيخوف قد بلغ مكانة مرموقة ككاتب، ونُشِرت له مقالات عديدة. وللأسف، كان أيضا مريضا، حتى أنه كتب وصيته. العلاقة بين أنطون وأولغا تخللها الألم واليأس، رغم الحب الذي جمعهما.
كيف بدأت قصة حب تشيخوف
في سبتمبر 1898، في سن الثامنة والثلاثين، التقى أنطون تشيخوف بالمسكوفية الشابة على مسرح موسكو للفنون، الذي أسسه قسطنطين ستانيسلافسكي. أثناء بروفة مسرحية “القيصر فيودور إيونوفيتش”، سحرته الممثلة التي كانت في الثلاثين من عمرها، وتلعب دور القيصرة إيرينا بأداء أخاذ. كان حانقا من تجاهل صحف موسكو لدورها التمثيلي. لفت تشيخوف نظر أولغا أثناء بروفة مسرحية “النورس” قبل ذلك بأيام، تقول: “كنا مأخوذين بسحر شخصيته غير المعتاد، ببساطته، بعدم قدرته على “التعليم”، “العرض” (…) حين نسأله، يجيب أنطون تشيخوف بطريقة غير متوقعة بعيدا عن لب الموضوع، ولم نكن نفهم ملاحظاته – أ هي جدية أم على سبيل المزاح”.
في الخامس عشر من سبتمبر، استقل تشيخوف القطار السريع إلى يالطا، لكن أفكاره ظلت تحوم حول الممثلة ذات الروح المرحة بفريق مسرح الفنون؛ أولغا كنيبر. داعبت شمس القرم تشيخوف، وقلبت مزاجه الرومانسي، فتوجهت أفكاره نحو الممثلة الشابة بشكل دائم. كتب إلى صديقته المقربة ليديا ميزينوفا يقول أنه بالرغم “من عداوته مع البكتريا العصوية ” (كان الكاتب مريضا بالسل)، إلا أنه أزمع التوجه إلى موسكو، “وإلا سيخنقه الاشتياق.”
في إبريل 1899، طرأت على حياة الكاتب عدة تغيرات، منها أنه أخذ يتودد إلى صديقة أخته الجديدة؛ شابة تنحدر من أوساط عائلة ماريا مالكيل. كان تركيز تشيخوف بالكامل عليها دون غيرها. تنحدر أولغا كنيبر من عائلة متروسة، إلا أنها لم تفرّط في لغتها الألمانية الأم. عاشت مع أمها الأرملة آنا إيفانوفنا، وهي بروفيسورة في معهد الموسيقى، واثنين من أعمامها؛ الضابط ألكسندر زاليتس والدكتور كارل زاليتس. وهبت أولغا كنيبر حياتها كلّها بلا انقطاع للحرَم الذي اسمه المسرح. بفضل التمثيل، تمكّنت من تحمّل فراق حبيبها “دوسيا”، كما كانت تسمي تشيخوف في خطاباتها، لكنّ ذلك كان صعبا على الأديب المريض. أم أنّ الأمر غير ذلك؟
كان تشيخوف يشعر بالغيرة من رومان كنيبر والمخرج نيميروفيتش دانتشينكو. زيارة دانتشينكو قبل الزواج لمنزل كنيبر محرّمة، لكن المخرج والممثلة كانا يتلاقيان أثناء البروفات في المسرح. كتب تشيخوف في مذكراته القديمة: “إن الزوجة الخائنة مثل قطعة اللحم الكبيرة الباردة، التي لا تريد أن تلمسها، لأنها بالفعل صارت بين يدي شخص آخر.” لم ترعى أولغا هذه العلاقة حقها، فحين كانت في موسكو بجانب المخرج نيميروفيتش دانتشينكو، كان زوجها يكابد ويلات المرض وحيدا في يالطا.
أقيم حفل الزفاف في موسكو في ربيع العام 1901. إيفان بونين أول من سمع عن زواج تشيخوف، وقد استقبل الخبر بقلق (في هذه الفترة، كان قد انفصل عن آنا أخماتوفا) قائلا: “أعيش.. ليس سيئا، بين بين، أشعر بالشيخوخة، إلا أنني أريد الزواج.” بعد هطول الجليد في موسكو، انتقل تشيخوف إلى يالطا.
“زوجتي ستبقى في موسكو وحدها، وسأرحل أنا وحيدا. هي تبكي، لن أسمح لها بترك المسرح. بكلمة واحدة، إنها مثل ترنيمة كاتافاسيا“.
رسائل تشيخوف وأولغا
كتبت أولغا لتشيخوف تسأله في خطابها: “ربما يتراءى لعقلك أنه من الغريب أن لك في مكان ما زوجة خيالية، صحيح؟ كم هذا مضحك. أقبلك، أعانقك الكثير من المرات، يا زوجي الخيالي”.
توضح خطابات تشيخوف وأولغا الكثير من حقيقية علاقتهما، بشكل أفضل من تكهنات الآخرين عنها. ارتضى الزوجين قضاء وقت طويل من فترة زواجهما القصيرة بعيدا عن بعضهما البعض، فكانت الخطابات بينهما كثيرة. كتبت مؤلفة سيرة تشيخوف الذاتية أليفتينا كوزيتشيفا: ” في خطاباتهما، كان يحاولان كلاهما تقريب أفكارهما المختلفة. تشيخوف – باعترافاته بالحب التي لا تنتهي. وأولغا – بوعودها التي لا تنتهي بحياة مستقبلية بينهما. حيث تعده في الأخير: “سوف أجهز نفسي في الموسم القادم بتمثيل كل الأدوار، كي أستطيع العودة إليك سريعا.”
كتبت أولغا لتشيخوف: “أنطونكا، هل أثير حنقك دوما؟ هل أسبب لك التعاسة دائما؟ سامحني، يا عزيزي، أيها الغالي، أشعر بالخجل في كل مرة. كم أنا قذرة يا أنطون”. يرد تشيخوف مهدئا زوجته: “متى أزعجتني؟ عافاك الله! يا سعادتي، شكرا لك لأنك بهذه الطيبة. فلتكوني مرحة وسعيدة”.
أرسل تشخوف إليها من يالطا: “عزيزتي دوسيا، يا ملاكي، يا كلبتي، يا حمامتي، أتوسل إليك، صدقيني، أحبك، أحبك للغاية، لا تنسيني، اكتبي لي، فكري بي دوما، يا كلبتي! اعتني بصحتك. إذا ما مرضت، لا قدر الله، اتركي كل شيء وتعالي إلي في يالطا، سوف أعتني بك هنا. لا بأس عليك، يا طفلتي.”
كثيرا ما كان تشيخوف يخترع لزوجته كلمات ملاطفة من عالم الحيوانات: “يا كلبة البحر خاصتي”، “أيتها الحوتة الصغيرة اللطيفة”، “يا ضفدعتي الصغيرة”، “أيتها الحمامة الصغيرة”، “يا بعوضتي الصغيرة”، “أيتها الحسّونة اللطيفة”، “يا شرشورتي اللطيفة”، “أيتها المرأة الوحيدة”، “بهلوانتي الشاطرة”.
نهاية قصة حب تشيخوف
كتب تشيخوف في بداية قصتهما: “أنا لست محظوظا في المسرح، لست محظوظا بشكل رهيب. لو تزوجت من ممثلة، سوف ننجب إنسان الغاب لا محالة. هذا هو حظي!!” وللأسف، لم ينجب الزوجان أي أطفال. كتبت أولغا في خطاب أسبوعي لزوجها: “وأنا أرغب أيما رغبة في أن يكون لدينا طفلة صغيرة نصف ألمانية! لأنني قرأت عدة مرات في كتاباتك عبارة: “أ وَرجل نصف ألماني يمكن أن يمتّعك، ويملأ حياتك؟” كانت أولغا تؤنب تشيخوف حتّى، لأنّها لم تحبل منه في بداية حياتهما الزوجية، رغم أنه من أراد طفلا أكثر من أي شيء آخر.
في يناير 1902، أثناء الاحتفال بعيد ميلاد زوجها الثاني والأربعين، كانت تصف حفلة ليلة رأس السنة في المسرح: “لقد حصلت على طفل كبير في قماطة، ثم طفلين آخرين في قماطين – كانوا يشاكسوني؛ سلمتهم إلى الدكتور غرينيفسكي ليرعاهم.”
سرعان ما تحقّق هذا الفأل السيء، ونحن في غنى عن سرد تفاصيل ذلك، لكن لم ينجب تشيخوف وأولغا أطفالا. بعد العديد من مرات الحمل والإجهاض، لم تستطع أولغا الحصول على طفل. وفي يوليو 1904، في مستشفى بادينفيلير بألمانيا، أسلم الكاتب الروسي العظيم أنطون تشيخوف روحه. وعاشت أولغا كنيبر بعد زوجها، حوالي نصف قرن.
- الصورة المرفقة: أنطون تشيخوف مع أولغا كنيبر، 1901م.
- المصدر المترجم عنه من الروسية: هنـــــــا
اضف تعليق