كانت شخصية القائم بأمر الله الفاطمي (الخليفة الثاني) قليلة التألق في سلسلة الخلفاء الفاطميين بإفريقية، فلإن بقي اسم المهدي مقرونا بتأسيس المملكة و اسم المنصور مقرونا بسحق ثورة الخوارج و اسم المعز مقرونا بفتح مصر، فإنّ ذكر القائم لم يكن مقرونا بعمل باهر بل إن اسمه يشير إلى هزائم فادحة و تحجبه شهرة ابن مخلد قائد ثورة صاحب الحمار.
طوال 12عشر سنة، هي فترة حكم القائم، لم يكن ينقص الأمير الحزم في مباشرته للحكم ولا يمكن الطعن في أهليته، فقد كان منذ توليه العهد وهو في سن العشرين يقود جيوش الفاطمين من منطقة القبائل غربا إلى طرابلس و مصر شرقا. فعرف البلاد وخبر الحرب وعاد بالانتصارات، ما جعل الدولة تعيش في أمان في عهد أبيه المهدي الذي ترك له دولة منظمة مؤهلة للدوام.
كان أبوه المهدي مؤسس الدولة الفاطمية يرى في نفسه المعني بحديث المهديّ المنتظر، في حين رأى الإبن أنّ خروج الدجال أصبح وشيكا من بعد موت أبيه (هكذا اعتقد و ظن الكثر من بني عصره). وبذلك انعزل القائم في قصره بالمهدية وقيل أنه لم يركب الخيل سوى في مناسبتين من بعد ذلك. عاش في شبه عزلة متخذا حياة الزهد و الهدوء منتظرا خروج الدجال الذي سيدمّر ملكه و ملك أبيه، و لكن الدجال المنتظر سيتخذ للقائم شكلا بشريا متمثلا في ابن مخلد الملقب بصاحب الحمار الذي سيهدد بثورته صفو الدولة لتصبح الدولة في بضعة أشهر قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
انظر كيف أنّ القوة العسكرية وحسن التنظيم والخبرة والتجربة يمكن أن تصبح بلا نفع بمجرّد أن رأى القائد الحاكم أنّ أمره سيؤول للدمار وأنه خاسر ملكه لا محالة. وذهب عنه حزمه وشجاعته وقوّته مستسلما لمصير يراه محتوما فيما رآه غيره فرصة لاستغلال ضعف نفس الأمير. وأنت تقرأ التاريخ وتقلّب أحوال الملوك والدول تظن أنّ القوّة تأتي من الأموال والجيوش والتجارة وكثرة الحلفاء لكنّ، التاريخ يرينا كيف أن قوة الدولة ونجاعة الحكم قد تنهار لأسباب نفسيّة أو اعتقاد وهمي في لحظة يأس وخوف، فتنسل قوة الدولة من أيدي أبنائها. كما يمكن أن تسترجع الدولة قوّتها في لحظة عزيمة وإرادة ويقين بالنصر، فحتى وإن كانت الثورة تدقّ أبواب قصر الأمير، فسينتصر لو بث اليأس و الشك في نفوس أعدائه.
- مصدر المعلومات التاريخية: “كتاب الخلافة الفاطمية بالمغرب”، فرحات الدشراوي، الصفحات (239-241)
اضف تعليق