يعتبر المسجد الأقصى أحد أكثر المعالم قدسية لدى المسلمين، كونه قبلتهم الأولى. وتطلق تسمية المسجد الأقصى على كل ما يقع داخل السّور: من المصلّى القبلي والمصلّى المرواني وقبة الصّخرة والسّاحات الترابيّة. ويقع كلّ هذا داخل البلدة القديمة في مدينة القدس الفلسطينية. تبلغ مساحته قرابة 144 دونما، ويقع فوق هضبة صغيرة تُسمى “هضبة موريا”. تعدّ قبة الصخرة أعلى نقطة في المسجد، حيث تقع في موقع القلب تماما.
وقد جاء ذكره في القرآن الكريم:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير” سورة الإسراء، الآية الأولى
كما أنه ورد في الأحاديث كأحد المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرّحال.
بالنسبة للديانة اليهودية أيضا، فالمكان مقدّس، ويطلق عليه اليهود اسم “جبل الهيكل” نسبة إلى هيكل النبي سليمان الذي يدّعون وجوده تحت مباني الأقصى.
للمسجد الأقصى عدّة أسماء، منها تسمية “الأقصى” التي تعني الأبعد عن المسجد الحرام، كما سُمّي بالبيت المقدّس، وبيت المقدس، وهو الاسم الذي كان معروفا قبل الإسلام. وحسب الأحاديث، فإن بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا.
عن أبي ذرّ أنّه قال: “قلت: يا رسول الله! أيّ مسجد وضع في الأرض أوّل؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة”
وهناك اختلاف حول من قام ببنائه، بين أن يكون النبي آدم أو ابنه شيث، أو سام بن نوح، أو النّبي إبراهيم.
الأقصى عبر التاريخ
سُجّلت معلومات تاريخية عن أوّل مجموعة من البشر قدمت إلى مدينة القدس: وهم اليبوسيون الذين سكنوا المدينة بين الأعوام 3000 إلى 1550 قبل الميلاد. وكانوا قبيلة كنعانية قاموا ببناء القدس وأسموها “أور سليم” [نور سليم]، حتى أن بقايا الآثار اليبوسية ما تزال باقية في سور المسجد الأقصى بحسب رأي بعض الباحثين. وفي تلك الفترة، هاجر النّبي إبراهيم إلى مدينة القدس، وعمّر المسجد وصلّى فيه، وكذلك ابنه إسحق وحفيده يعقوب من بعده.
تولّى الفراعنة أمر المدينة بعد اليبوسيين، بين الأعوام 1550 إلى 1000 قبل الميلاد. ثم استولى عليها العمالقة، إلى أن فتحها النبي داوود ومعه بنو إسرائيل عام 995 ق.م. فوّسع المدينة وعمّر المسجد الأقصى. ثم استلم الحكم ابنه سليمان، فعمّر المسجد وجدّده مرة أخرى. ويروي النبي محمد ذلك فيقول:
“لمَّا فرغ سُليمانُ بنُ داودَ عليهما السَّلامُ من بناءِ بيتِ المقدسِ سأل اللهَ عزَّ وجلَّ ثلاثًا: أن يُؤتيَه حُكمًا يُصادِفُ حُكمَه ومُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِه وأنَّه لا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يُريدُ إلا الصَّلاةَ فيه إلّا خرج من ذنوبِه كيومِ ولدَتْه أمُّه. أما اثنتيْن فقد أُعْطِيهما وأرجو أن يكونَ قد أُعْطِي الثَّالثةَ”
وهذا البناء لسليمان هو الذي يقول اليهود بنسبته إليهم، ويطلقون عليه اسم “هيكل سليمان”. وبوفاة النبي سليمان، انتهى حكم بني إسرائيل الذي دام 80 عامًا.
بعد وفاة سليمان، انقسمت دولة بني إسرائيل إلى “مملكة إسرائيل” في الشمال، و”مملكة يهوذا” في الجنوب ومعها القدس. وما لبثت أن هاجمها البابليون وأحرقوا الهيكل، وسبوا اليهود إلى بابل فيما عٌرف بالسبي البابلي. بعد ذلك، هزم الفرس البابليين، وسمح الملك الفارسي قورش الكبير عام 538 ق.م -لمن أراد من أسرى اليهود في بابل- بالعودة إلى القدس وإعادة بناء الهيكل المهدم. فعاد عدد من اليهود إلى القدس وشرعوا في بناء الهيكل الثاني، وانتهوا من العمل فيه سنة 516 ق.م، في عهد الملك الفارسي دارا الأول. وعُرف فيما بعد بمعبد حيرود تيمنًا بملك اليهود حيرود الكبير الذي قام بتوسيعه.
احتلّ الإغريق فلسطين، وخضعت للإسكندر المقدوني حوالي عام 332 ق.م، ثم لخلفائه البطالمة، ثم للسلوقيين، ثم خضعت لحكم الإمبراطورية الرومانية. وكان من أوائل الحكّام وأبرزهم الذين عيّنهم الرّومان لحكم القدس الحاكم هيرودس حوالي عام 37 ق.م. وقد قام بتجديد بناء البيت المقدّس حوالي العام 20 ق.م، كما أقام قلعة عظيمة بباب الخليل يطلق عليها اليهود الآن اسم “قلعة داود”. وفي تلك الفترة، تذكر المصادر الإسلامية بعثة النبي عيسى بن مريم، وزكريا وابنه يحيى بن زكريا إلى بني إسرائيل في القدس، حيث كان يحيى يعِظُهم داخل المسجد الأقصى، كما يفيد الحديث النبوي.
وبعد النبي عيسى بحوالي 300 عام، انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الرومانية الغربية في الغرب، والإمبراطورية البيزنطية في الشرق. وبقيت الإمبراطورية البيزنطية هي المُسيطرة على القدس، فأصبحت القدس مدينة نصرانية، وبُنيت فيها كنيسة القيامة، أما المسجد الأقصى فبقي متروكا كما هو دون بناء. وفي عام 614، احتل الفرس مدينة القدس بمعاونة اليهود، وذلك بعد حرب طويلة ضد البيزنطيين الروم. وقد وقع ذلك في الفترة التي بُعث فيها النبي محمد في مكة. وما لبث أن عاد البيزنطيون الروم إلى الحكم عام 624، وفي تلك الفترة، أصبحت أرض المسجد الأقصى مكبًّا للنّفايات، وذلك انتقامًا من اليهود، إذ كانت الصخرة المُشرفة قبلة لهم.
الأقصى في العهد الإسلامي
كان المسجد الأقصى وجهة النبي محمد في رحلة الإسراء والمعراج، وذلك ليلة السابع والعشرين من رجب بعد البعثة بعشر سنين. وعندما تولّى أبو بكر الصديق خلافة المسلمين، قام بتسيير جيش أسامة بن زيد لفتح بلاد الشام عامّة ونشر الدعوة الإسلامية فيها. وقد كان النبي محمد قد جهّز جيش أسامة قبل وفاته، وما لبث أن تُوفّي أبو بكر الصديق، فتولّى عمر بن الخطاب الخلافة. فكان أوّل ما فعله أن ولّى أبا عبيدة بن الجراح قيادة الجيش الفاتح لبلاد الشام بدلا من خالد بن الوليد. وصل أبو عبيدة بن الجراح إلى مدينة القدس وكانت تُسمى “إيلياء”، فاستعصت على جيش المسلمين ولم يتمكنوا من فتحها لمناعة أسوارها، حيث اعتصم أهلها داخل الأسوار. فحاصرهم حتى تعبوا وأرسلوا يطلبون الصلحَ وتسليم المدينة بلا قتال، واشترطوا أن يأتي خليفة المسلمين بنفسه إلى القدس ليتسلّم مفاتيحها منهم. فخرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة، حتى وصل القدس، عام 15 هجرية، 636 ميلادية، وأعطى أهلها الأمن وكتب لهم العهدة العمرية. وقد صحبه البطريرك “صفرونيوس” فزار كنيسة القيامة، ومن ثم أوصله إلى المسجد الأقصى. وكان في تلك الأيام عبارة عن هضبة خالية في قلبها الصخرة المشرفة، ثم أمر الخليفة عمر بن الخطاب ببناء المصلّى الرئيسي الذي سيكون مكان الصّلاة الرئيسي في المسجد الأقصى. وهو موقع الجامع القبلي اليوم، ويقع في الجنوب في جهة القبلة. وكان المسجد في عهده عبارة عن مسجد خشبي يتّسع لحوالي 1000 شخص، وبقي على حاله إلى زمن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان.
وبعد قيام الدولة الأموية عام 40 هجرية، 661 ميلادية، قام معاوية بن أبي سفيان بتجديد بناء المسجد القبلي داخل المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب. فجعله من الحجر بدلاً من الخشب، ووسّعه ليسع 3000 مصلٍ. وقد ذكر بعض المؤرخين المسلمين أنّ أوسع حركة تعمير للمسجد تمت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان منذ عام65 هجرية/685 ميلادية، جنبا إلى جنب مع قبة الصخرة. وتواصلت في عهد ابنه الوليد بن عبد الملك حتى عام 96 هجرية/715 ميلادية، حيث بدأ البناء الأموي ببناء قبة الصخرة وهي عبارة عن قبة ذهبية فوق الصخرة المشرفة الواقعة في قلب الأقصى، والتي تمثل أعلى نقطة في جبل البيت المقدس. ويعتقد أن معراج النبي محمد إلى السماء تمّ منها، لتكون قبة للمسجد كاملا. وقبل الشروع ببنائها، أقيمت بجانبها قبة صغيرة في منتصف المسجد الأقصى تماما، عُرفت بـ”قبة السلسلة”، لتكون مقرا للمشرفين على البناء للأقصى، وخزانة لجمع الأموال اللازمة لذلك، وقيل لتكون نموذجا لقبة الصخرة.
-يتبع-
* الصورة المرافقة: صورة بانورامية للمسجد القبلي للمصور الفلسطيني فادي عميرة
- الموسوعة الفلسطينية
- تاريخ الامم والرسل والملوك لأبي جعفر الطبري
- البداية والنهاية لابن كثير
- الكامل في التاريخ لابن الأثير
- الحروب الصليبية لمحمد العروسي المطوي
- ويكيبيديا
- شهادات حية عن حريق الاقصى ـ مواقع وقنوات اخبارية
[…] من تاريخ المسجد الأقصى -1- […]