ملحمة شهداء 9 أفريل 1938
هي كلمات تؤكد بأن كلّ بناء أو تحوّل تاريخي لابد أن يقترن بمفهوم التضحية والاستشهاد لتبقى الأمة حيّة وتستمر وتتطوّر. مفاهيم تتوقف الأمم بدونها عن التقدّم بما يهدّد استمراريتها ككيان حضاري ثم زوالها الحتمي و خروجها من التاريخ.
يا أيّها الذين آمنوا بالقضية التونسية، يا أيها الذين آمنوا بالبرلمان التونسي، إن البرلمان التونسي لا ينبني إلاّ على جماجم العباد، ولا يـُقام إلاّ على سواعد الشباب، فجاهدوا في الله حق جهاده!
صدح بها علي البلهوان، أحد زعماء الحركة الوطنية التونسية، أثناء قيادته لواحدة من مظاهرتين طالبتا ببرلمان ودستور تونسيين، بينما ستجه المتظاهرون لساحة القصبة انطلاقا من الحلفاوين يوم 9 أفريل 1938، لبث الحماس و روح البطولة في نفوس التونسيين. وقد انطلقت الثانية من رحبة الغنم يقودها المنجي سليم. واجهت قوات البوليس الفرنسي المتظاهرين فسقط يومها عشرات الشهداء برصاص الاحتلال، لتعقبها حملة قمعية واسعة اعتقل فيها جل قيادات الحركة الوطنية آنذاك.
ماذا بقي من هذه الذكرى اليوم؟
بعد مرور قرابة ثمانية عقود على أحداث ملحمة 9 أفريل، تحولت هذه الذكرى إلى بروتوكول رئاسي روتيني تُقدّم فيه باقة ورود لأرواح الشهداء وعطلة إدارية عادية لعامة الشعب. هذه المناسبة وغيرها من المناسبات التاريخية فقدت قيمتها المعنوية وتم إفراغها من بعدها الروحي ثقافيا وسياسيا، بتهميش الأحداث وقصص البطولة وأسماء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم لأجل استقلال البلاد. فلا نجد اليوم أي فيلم سنمائي أو رواية أو مسرحية توثّق هذه الملحمة التاريخية -مابالك بالملاحم التي سبقتها. أسماء شهداء 9 أفريل مجهولة، فلا نجد أي برنامج تلفزي أو إذاعي يذكرهم ويتناول تفاصيل ذاك اليوم.
الأغلبية لا تعرف تفاصيل تلك الملحمة، كما لا تعرف الشاعر و المجاهد والشهيد ” عبد الله بن علي المرزوقي”، لاتعرف الرائد الشهيد “محمد البجاوي ” آمر ومؤسس المدفعية التونسية وقصة استشهاده البطولية في حرب الجلاء ببنزرت. لا تعرف مجموعة ”كومندوس فرحات حشاد” الفدائيّة وقصة استشهادهم عن آخرهم في معركة بطولية واحدة، فرحات حشّاد نفسه لا نعرف عنه غير الإسم والصفة النقابيّة، أما تفاصيل تاريخه النضالي فمُغيّبة تماما. هذا بالنسبة للقرن الـ20 أماّ التاريخ الذي قبله فحدّث ولا حرج. حروب كاملة ومعارك مصيرية كبرى قامت على الأرض التونسية تم تغييبها إعلاميا ومحوها من المناهج الدراسية وكذلك أبطالها وشهداؤها.
دور البطولة والشهادة في استنهاض الهمم
إن الشعب الذي لا يعرف قصص أبطاله وشهدائه في الماضي، يصعب أن يصنع في المستقبل أبطالا وشهداء يعرفون معنى التضحية. يصعب أن يصنع مواطنين يحملون وعيا وحسا بالمسؤولية تجاه الوطن والمجموعة التي ينتمون إليها، لغياب المثال والقدوة وغياب التربية الحريصة على مبادئ الفداء والاستشهاد. وهذه نفس الأسباب الذي تصنع فراغا روحيا وفكريا عند الشاب فتدفعه لاتباع جماعات متطرفة تمنحه قيم التضحية والبطولة.
لابدّ من إعادة بناء الذاكرة الوطنية عبر ردّ الاعتبار لأبطال الوطن وشهدائه وجعلهم قدوة تتبعها الأجيال. فالذاكرة الوطنية هي الي تؤسس للوعي بالذات وبالانتماء للمجموعة، ناهيك عمّا تمثّله البطولة والرموز القومية لأي أمة، خاصة الشهداء، حين تكون لهم حظوة في السياسة الثقافية للدولة. مُحفّزات معنوية وأخلاقية تساهم في تأسيس جيل ذو شخصية قوية صلبة وروح قتاليّة عالية تتبلور خاصة في فترات السلم على مستوى العمل والسلوك العام والانضباط والمنافسة الاقتصادية والإبداع في كلّ الميادين .
اضف تعليق