بالنسبة لبعض البشر، يصبح الأحبة ذوي قيمة أكبر عندما لا يكونون في المتناول!
اللطيف المتاح والشرير الذي نطارده
بغرض التبسيط، سيُشار إلى النساء اللائي يشعرن بالانجذاب للجنس الآخر، لكنّ، ما يُناقش هنا ينطبق بالتأكيد على الرجال الطبيعيين والأفراد المثليين على حد سواء. الكثيرات على ألفة مع هذا السيناريو: “رجل لطيف”، شخص جذاب، وسيم، مثير للإعجاب، ذكي ومتاح، بل والأفضل من كل هذا، أنّه أيضا مهتمّ بعلاقة معكِ. تكمن المشكلة الوحيدة في أنّك -فقط- لا تبادلينه ذات القدر من الاهتمام بشخصه. على الجانب الآخر، ثمّة “رجل شرّير” يشغل تفكيرك طوال الوقت، 24 ساعة في اليوم سبعة أيام في الأسبوع!. مثل الرجل اللطيف، فإنّ الشرير يتمتع بالكثير من الصفات الجميلة، لكنّه إمّا غير متاح للدخول في علاقة في المجمل، أو أنه غير متاح للدخول في علاقة معك لأنه لا يبادلك غالبا نفس القدر الذي تمنحينه من الحب. وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من رفضه المستمر، أنتِ لا تستطيعين إخراجه من رأسك. بل وكلما زاد رفضه لك -وكلّما دلّل على ذلك الرفض بشكل صارخ في أنّه لا يرغب في أن يكون معك- كلّما أصبحتِ أكثر اهتماما بعلاقتك معه.
لماذا نطوّر هذه العادة السيئة: “الرغبة في ما لا نستطيع الحصول عليه”؟
لماذا لا نرغب دائما في ما يمكننا الحصول عليه، رغم أنّنا في مناح أخرى من الحياة، نبدو قادرين على تعديل تفضيلاتنا لكي تلائم الموقف الواقعي؟ فعلى سبيل المثال، قد يراودك حلم في أن تصبح نجما سينمائيا في هوليوود، لكنّك حين تكتشف أنه ليس باستطاعتك التصرف حيال ذلك الأمر، فإنّك تتخلّى عن الحلم (أتمنى أنك قد فعلت ذلك!). لماذا لا نستطيع، إذن، التخلي عن أولئك الذين يرفضوننا بشكل مستمر؟
الدافعية، المكافأة، الإدمان، والتحرق
وفقا للباحثة هيلين فيشر وزملائها، فإن السّبب الذي يجعل الرفض العاطفي يزيد تعلّقنا، هو أنّ هذا النوع من الرفض يحفّز أجزاء من الدماغ مرتبطة بالدافعية، المكافأة، الإدمان، والتحرق “الرغبة الشديدة”. وقد استخدم الباحثون أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفية لدراسة نشاط أدمغة خمسة عشر من الذكور والإناث في عمر التخرج، من اللذين رُفضوا حديثا من شركائهم العاطفيين، رغم تصريحهم بأنهم لا يزالون يشعرون بالحب الشديد تجاههم. بعد ذلك، أنجز الأفراد موضوع الاختبار تمارين رياضية، كأن يقوموا بالعد التنازلي بخصم 7 في كلّ مرة من الرقم 4,529. وقد كان التّمرين محض محاولة لتشتيت انتباه أفراد العيّنة من المشاركين عن أفكارهم العاطفية. ليتم في النهاية، تعريضهم لصورة شخص مألوف لم يكونوا مهتمّين به عاطفيا.
توصّل الفريق إلى أنّ أدمغة المشاركين كانت أكثر نشاطا في المناطق المرتبطة بالدافعية، المكافأة، التحرق، الإدمان، الألم الجسدي والضغط والتوتر عندما كانوا يطالعون صورة الشخص الذي رفضهم بشكل ملحوظ وأكبر منها عندما كانوا يطالعون صورة الشخص المحايد.
بيّنت الدراسة، التي نُشرت في الدورية العلمية للفسيولوجيا العصبية سنة 2010، أن الأشخاص الذين يكونون في مثل هذا الموقف يعانون فعليا من عرَض يتطابق وإدمانَ المخدّرات، وأنّ المخدّر الذي ندمنه هو الشخص الذي يرفضنا، تاركا حبّنا غير متبادل، من طرف واحد وبنهاية مفتوحة. بيد أن الدراسة لم تعطنا استبصارا بشأن السّبب الذي يجعلنا نستجيب للرفض العاطفي بهذه الطريقة، كما وأنها لا تجيب على السؤال: “كيف قمنا بتطوير هذا الإدمان أو الميل المتعب المتمثّل في رغبتنا في الأشخاص الذين لا نستطيع الحصول عليهم؟”
الرفض الاجتماعي
ربّما يتبادر إلى الذّهن أنّ المسألة محض حزن وانكسار قلبي، لكنّ هذا لا يمثّل الإجابة الكاملة أيضا، لأنّنا وببساطة لا نكون في بعض الحالات قد خسرنا أيّ شيء يستحقّ منّا أن نحزن على خسارته. ربّما نكون في حالة عشق جنوني لشخص لا يريدنا، ولم يكن يرغب بنا يوما من الأساس، غير أنّ الموقف يكون مؤلما بنفس قدر الألم الذي نشعر به عندما ينهي أحدهم علاقته بنا.
جزء من ألم الرّفض الذي نشعر به عندما يكون الحب غير متبادل سببه أسلوب دفاعي يعتمد على تطوير الحيل الدفاعية النفسيّة لمجابهة الرّفض الاجتماعي مع وصمة اجتماعية مرتبطة بحالات الانفصال والطلاق، ولكن هذا أيضا لا يشرح بشكل كامل رغبتنا الدائمة في أن نكون فقط مع الأشخاص الذين لا نستطيع الحصول عليهم.
القيمة المدركة
قد يكون جانب آخر من جوانب المعاناة ذا صلة “بالقيمة المدركة” للشّخص الآخر. ففي حال لم يكن يرغب بنا أو لم يكن متاحا للدّخول في علاقة يُعوّل عليها، فإن قيمته المدركة ترتفع تبعا لذلك. يصبح “أغلى” من أن “نتحمّله”، أي أن نحصل عليه. ومن ناحية تطويرية لأساليب الدفاع، كان التزاوج مع الشريك الأعلى قيمة ليمثل مزيّة كبيرة. ومن هنا، فإنّه من البديهي أن نصبح أكثر اهتماما من الناحية العاطفية عندما تزداد قيمة الشخص المدركة.
إجابة أخرى قد تكون ذات صلة بشخصيّاتنا ذات الطبيعة الإدمانية نسبيا. فقد أظهرت دراسة فيشر أن المعاناة والألم الذي يعقب الرفض العاطفي هو نوع من الإدمان، لكن وعلى الرغم من ذلك، يبقى السؤال قائما: ما الذي ندمنه في هذا السيناريو؟
في حالة العلاقة المنتهية، ربّما نكون مدمنين على الوقت الذي قضيناه برفقة الشخص الآخر، أو على رسائلهم النصية، أو على رفقتهم أو حتى على الجنس الذي مارسناه معهم، ولكن إذا كانت أدمغتنا تعمل بشكل مشابه عندما يكون حبّنا غير متبادل، وكأنه لم تكن هناك علاقة من الأساس، ما هو مصدر “مشاعرنا الإدمانية” يا ترى؟
من المحتمل أن نكون مدمنين على أفكارنا بشأن ما كان ليقع ويحدث ولكنه أبدا لن يكون!
من المحتمل أن نكون مدمنين على أفكارنا بشأن ما كان ليقع ويحدث ولكنه أبدا لن يكون! وريثما نصبح عالقين بين هذه الأفكار، فإنّ رفضنا من قبل الشخص الآخر يمكن أن يساهم في زيادة حدّتها، تاركا إيانا لنتعامل مع “الهوس” الذي يُعدّ ضربا من ضروب الإدمان – أو إدمانا على أفكار من نوع بذاته. في أطروحات أخرى، يمكن للأساليب القياسية المعتمدة للتعامل مع اضطراب الوسواس القهري أن يساعد على التغلب على الهوس العاطفي وتخطيه.
التمسك الاعتمادي والنهاية المختلفة
إنّ الطّريقة التي نرتبط ونتمسّك بها بالآخر الذي لا يريدنا يمكن أيضا أن تؤثّر على المدّة التي سنقضيها عالقين مع رغبتنا في هذا الشّخص. إن الأشخاص ذوي “أسلوب التمسك الاعتمادي” أو أسلوب التعلق “التلهفي” هم أشخاص تربّوا على السعي إلى الأشخاص الذين يسبّبون لهم الألم. وطبقا لسيناريو كلاسيكي، فإنّهم يكبرون في كنف منزل حيث رفضهم الأم أو الأب عاطفيا. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، شعور الرفض العاطفي مألوف. وبما أنّنا نصبح أكثر ميلا للتصرف بطرق مألوفة، سنميل للسعي نحو المواقف التي يتوجّب علينا أن نتوقع فيها المزيد من الرّفض! تترجم أدمغتنا هذه السيناريوهات على أنها شيء طبيعي، رغم أّننا ندرك أنّه ليس من الطبيعي أن نسعى للحصول على سيناريوهات تقود إلى الألم والمعاناة.
في الختام، ثمّة شرح “النهاية المختلفة”: إذا كان لدينا تاريخ من كوننا مرفوضين -من أحد الأبوين، على سبيل المثال- فإنّنا أحيانا نسعى بشكل لاواعٍ للحصول على سيناريوهات مشابهة، آملين في نهاية مختلفة في المرة القادمة، إلّا أنّ القصّة لا تنتهي هكذا أبدا. نستذكر هنا تعريف آينشتاين للمرض النفسي، ألا وهو – إتيان نفس الفعل مرارا وتكرارا مع توقع نتائج مغايرة.
البروفيسور بريت بروغارد حاصلة على الدكتوراة في الفلسفة والفسيولوجيا العصبية من جامعة ميامي، الولايات المتحدة الأمريكية.
اضف تعليق