ولكي لا تتعايشَ الشعوبُ “الراقيّةُ الآمنةُ” مع فوبيا “الإرهابي المفخّخ”، إلى الدّرجةِ التي تُصبح فيها تلك “الفوبيا”، عادة يوميةً مملّةً وغير مُخيفة، ثمَّ بعد قليلٍ، مثيرةً للشكّ، كان على الحكومات ذاتها، التي ابتكرتْ ذاك “الإرهابي المفخّخ” وسهّلتْ له أفعاله ابتكارَ دهشةٍ وفتحٍ جديدينِ في ذاك القطاعِ الحكوميّ الأكثر ربحيّةً: “الإرهاب”. فحدثَ بعدَ اجتماعٍ مغلقٍ بين عقول أمنيّةٍ “رفيعة المستوى” وعلى صعيد دوليّ، أن تمّ الإجماع على الإصدار الجديدِ الذي بدأ يغزو الأسواقِ الأوروبية بسرعةٍ مخيفة: “الإرهابي الشوفيرِ المتهوّر” الذي يدهسُ النّاسَ بالأفواجِ بتلك الشّاحنات الثقيلةِ التي لا أدري حقيقةً، لماذا لا يتمّ ملؤها بأطنان من المتفجرات، مادامت الغاية أساسا من ذاك الفعل قتل أكبر عدد من “الكفار”. ربّما لأنّ ذلك سيثير عند حدوثه، في نفوس تلك الشعوب ما هو أكثر من “الفوبيا”: الذّعر. الذّعرُ الذي قد يفتعل ثورةً على قادة “أمن وأمان المواطن”.
هذا على صعيدِ لجم الشعوب وتمويهِ الحقائق علنا أمام ناظريها، أمّا على صعيدِ الاغتيالات السياسية المتبادلة بين حكومات الدّول التي تتلاعب بمصائر الشعوب ومن باب خلط أوراق اللّعب وكسر الروتين والملل أيضا، فقد تمت الاستعاضة بعد اجتماعٍ مغلقٍ بين عقول أمنيّةٍ “رفيعة المستوى” -لكن على صعيد محلّي هذه المرة- عن اغتيال سفراء أو ممثّلي “الدّول الأعداء” في الشارع، بواسطة “مفخخات” تُلصق ملكيتها بمطلوبين بتهم “إرهابية”. ويتمّ العثور بجانبها، بعد التفجير، على جواز سفر مدرّعٍ يحمل صاحبه جنسية بلدٍ ينتشر فيه “الإرهاب” حاليا.
تمّ الاستعاضة عن كلّ ذلك السيناريو الطّويل الذي بات مكشوفا، بالاغتيال البسيط الواضح الصريح (كما في أفلام المافيا كالعرّاب وغيره) أمام كاميرات التلفزة في عقر الدار، بمسدس 9/14، ثمَّ خطابٌ تهديديّ عاطفيٌّ من قبل منفّذ الاغتيال، أمام الشاشات أيضا، من أجل تحويل الجريمة من جريمة فردية بخلفيات سياسية إلى جريمة مجنّسة (وهنا، في جريمة اغتيال السّفير الروسي، كانت جنسيتها سوريّة) جريمة ذات أبعاد عصبويّة دينية عابرة للقارات.
ومع أنّي شخصيا، ربّما أحزن على صعيد شعريّ رومنسي على أي شخص يُقتل، لكني بذات الوقت، لا أكترث، ولست ضدّ، بل حتى أنّي أشجع مثل كثيرين مقتل أو اغتيال أي سياسيّ، لكون ذلك إحدى النهايات المتوقعة والاعتيادية في اللعبة التي هو بملء إرادته دخلها، لكني أشجع ذلك على يد جائعٍ مقهورٍ في سوقٍ يمر فيه ذلك السياسي، بسكين في البطن مثلا، ولأسباب شخصية محضة تتعلّق بقهره وجوعه فقط، لا خدمةً لأجندة سياس/ين آخر/ين.
ما أريد قوله، أنّ من وقفَ مع منفّذ الاغتيال في تركيا لأسباب سياسية وبعاطفية تلك العبارات الجاهزة “الله محيّي البطل يلي حملك!”، “يا أشرف الناس!” ، “الشهيد الرائد الركن!” إلخ، لم يدرك ربّما تبعات ذاك الاغتيال عليه كسوريّ خارج سوريا أوّلا، ثمّ على المحاصرين داخلها، الذين هم تحت مرمى الطيران الروسي. ونعم، معكم أقتنع أنّ روسيا وغيرها ليست بحاجة لحجّة أو سبب لتكثيف القصف، لكن معرفتي هذه لا تعني أن أهتف للحجّة وأشجّعها عند اختلاقها.
الثّورات الشعبيّة في الشّارع ربّما لا تُقيَّم بنتائجها، أو لا تأخذ بالحسبان تلك النتائج، يكفي قيامها لتكون محقّة. بينما الاغتيالات، عندما تكون لأسباب سياسية أو لأسباب تدّعي الإنسانية، في كلتا الحالتين ستأتي بنتائج كارثيّة على من تمّ ارتكابها انتصارا لهم ولأجلهم وباسمهم وباسم مدنهم التي تحترق، فإنّها -تلك الاغتيالات- تحملُ لاشكَّ، بغضّ النّظر عن طيبة وصفاء وصدق نيّةِ من ارتكبها، الكثير من إشارات الاستفهامِ التي لا أستطيعُ التّصديق أنها قد تمرّ علينا كسوريّين على الأقلّ وتحديدا “المثقّفين النخبويّين” منّا بعد كلّ ما مرَّ علينا، وكلّ ما تمَّ تمريرهُ خلسة، من تحتِ نهرِ الدّم الذي ننزفهُ منذ ما يقارب السّت سنوات.
وهنا، هل يحقُّ التساؤال أم لا، بأنَّه لو كانت روسيا تدعم منذ البداية وحتى الآن الثورة السورية وبذات الوقت كانت تقصِف موريشيوس* مثلا. وفي الوقت ذاته كانت تركيا تقف ضدّ الثّورة السوريّة وتدعم ثورة موريشيوس، دون الدّخول بجدليّة هل تركيا حقّا دعمت أو تدعم الثورة السورية-. وضمن هذه المعادلة مثلا، وقع ذات الاغتيال مع ترديد المنفّذ لأسماء مناطق محاصرة ترزح تحت القصف اليومي في موريشيوس، ماذا كان سيكون موقفنا من منفذ الاغتيال؟ غالبا كنّا سنراه مجرما، ونكيل له أعتى الشتائم، وسنشيّع السّفير الرّوسي كـ”شهيد” نجم في قافلة شهداء الثورة السورية.
…
هامش صغير:
في المطعم الذي أعمل فيه، يعمل رجلٌ ستينيٌّ، “أصوله” بحسب ما يحبّ أن يردّد دائما في تلميح منه على فرنسيّته، من مونتريال. يقول لي دائما، بحكم معرفته بأنّي من تلك الأرض، سوريا. ومن باب التّودّد والتّعاطف والمشاركة الإنسانية: “مؤسف ما يحدث في سوريا وخاصة في حلب، مؤلم ما يحدث للنّاس”. ثمّ منذ حوالي الأسبوعين، يقول لي سعيدا: “لقد تحرّرت حلب”.
أصمتُ.
– “هل رأيت ما حصل في برلين؟” سألني ذاتُ الرجل منذ أيام.
– “أجل، مؤسف ومريب” أجبتُ.
“الناس في مونتريال”، أكملَ بلهجةٍ خائفة، “بدأوا بوضع حجارة ودواليب قديمة حول الأماكن التي يتجمّعون وسيتجمعون فيها في فترة الأعياد الحالية”. “جيد لهم، خطوة ذكيّة” قلتُ محاولا أن لا تظهرَ السخريةُ التي في داخلي، “سيكونون بمأمنٍ إذا من السائقين المتهوّرين” أكملتُ.
…
لم يعد مخيفا الرّجل السّيارُ ذو الحزام الناسف أو السيارة المفخّخة. اختفت تماما من الخوف الجمعيّ لديهم.
موريشيوس: إحدى دول إفريقيا التي أعتذر لأني لم أسمع بها. وأعتذر إن بدا الأمر كعنصريّة منّي، إذ ذكرتها كمثال. إنما ذكرتها لحاجتي في الموضوع لاسم دولة غير معروفة، شيوعا. وموريشيوس التي ربّما لم يسمع معظمنا بها هي، بحسب ويكيبديا، دولة مثيرة تاريخيّا وتستحقّ الاحترام في واقعها الحالي:
جزر صغيرة في وسط المحيط الهندي تبعد عن ملاجاش (مدغشقر) بحوالي 860 كيلومتر. الرحالة البرتغالي دون بيدرو ماسكارينهاس كان أول من عرف العالم بها في العام 1505 وقد قام بإطلاق اسم ماسكارينس على مجموعة الجزر المعروفة الآن بموريشيوس، رودريغز وريونيون. وفي العام 1598، رسا أسطول هولندي في غراند بورت مما أدى إلى إقامة أول مستعمرة هولندية على الجزيرة في 1638. وعلى مدى السنين، قام الهولنديون بتعريف الجزيرة على قصب السكر، الحيوانات الأليفة والغزلان قبل رحيلهم عنها في 1710.
وجاء من بعدهم الفرنسيّون في سنة 1715 وأسّسوا ميناء بورت لويس -عاصمة البلاد حاليا- وظلت جزيرة موريشيوس قاعدة لهم حتى هزيمة نابليون. فاستولت عليها بريطانيا في سنة 1810 م. وأقاموا سلطة تحت قيادة روبرت فاركوهار، قامت فيما بعد بغرس تغييرات اجتماعية واقتصادية سريعة في الجزيرة. قامت البلاد بعقد انتخابات عامّة في 1967. قامت بعدها موريشويس بإقامة دستور جديد والإعلان عن استقلالها في 12 مارس 1968، ثمّ لحق ذلك الإعلان عن جمهورية موريشيوس في 12 مارس 1992.
في هذه الأيام، تُعرف موريشيوس على أنها جمهورية ديموقراطية مبنية على نموذج ويستمينستير والذي يضمن الفصل بين كل من القوى التشريعية، التنفيذية والقضائية. تتمتع الجزيرة الآن باستقرار سياسي حيث يتم انتخاب 62 عضواً للجمعية الوطنية كل 5 أعوام. وفي حين عدم وجود رئيس للدولة، فرئيس الوزراء هو من يحمل القوى التنفيذية بالإضافة إلى قيادة الحكومة.
[…] http://www.qrtas.com/2016/12/30/ […]