كيف سيكون الغد؟ هذا هو السؤال المحيّر الذي يشغل أغلبنا وتراوغنا إجابته. لكن، ربّما إن نظرنا إلى الماضي وإلى أنماطه وآليات عمل مجتماعتنا سنجد إطارا للإجابة. لهذا، سنفكّك هذا السؤال لأسئلة في محاولة لاستقراء المستقبل انطلاقا من الواقع الحالي.
لماذا تغضب الحشود ؟
كان للخبز طوال التاريخ علاقة غرام وخصام مع الصولجان والمقصلة، منذ ماري أنطوانيت حتى الرّبيع العربي. نعود دائما إلى الاحتياج الاقتصادي وأُفق الفرد الاقتصادي فلا شيء يحرّك الفرد مثلما تحرّكه مشاعر العجز عن تلبية حاجاته الاقتصادية. العجز عن تلبية المتطلبات، الشعور بالحرمان من الحقوق الاقتصادية وأن يغيب في الأفق غد أفضل، يجعله يتجه للبحث عمن ينصفه أو ينفّس عن غضبه المكبوت من سيرورة الأوضاع.
لن يتحوّل هذا الفرد لفاعل سياسي أو ناشط على السّاحة فهو في دوّامة الحاجة والعمل يصارع أمواج الايام والمتطلّبات المختلفة، لكنّه حين يجد من ينفّس عن تلك المظلومية سيدعمه. وإن لم يكن متّفقا معه في الأفكار والطّروح، فليس يعبأ بالأجندات أو بمن يصارع وإنّما هو يريد أن ينفّس عن غضبه. يريد أن يخرج عن أطر الواقع الحالي. سيتحوّل هذا الغضب والخذلان الاجتماعي إلى لوم. سنلوم أحدهم على فشل منظومتنا سواء كان صاحب الدّين الغريب، ذلك الملوّن أو الخونة والعملاء أو ذلك العدوّ الخارجي.
هذه هي الإجابة السّهلة والأشدّ بساطة والتي تناسب من هو في غمار الصّراع والكفاح اليومي. فمن يملك مساحة التأمّل في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفي أحقاب كثيرة، يدرك أنّ الإنسان العادي لم يكن يملك الوسيلة لإدراك التوازنات. ولذلك فإن السياسي لو صاغ خطابه بما يوافق تلك الحاجة للتنفيس عن الغضب وتغيير الوضع الراهن، انهال عليه الدعم الاجتماعي من الغالبية التي ترى في الأوضاع مظلومية، حتّى وإن كان مجرّد أحمق نرجسي يسير بالمجتمع للهاوية. ليس رجل الشارع بالغبي ولكنه حانق يائس، يلعب ويريد أن يقلب طاولة الخسارة.
واليوم، بينما قلّة لا يتجاوزون المئة يملكون ثروة أكبر من نصف سكّان الكوكب، ينتشر الإحساس بالعجز وضيق الأفق، بل انعدامه، اقتصاديا. وهو وإن كان صادقا ومطابقا للواقع فإنّه لا يعني بالضرورة أنّ الحراك المعبّر عنه سيكون في الاتجاه الصحيح. بل ستستغلّه نخب جديدة تقوم بتبسيط الأمور في عبارات اللوم والغضب واللعب على خطوط الصدع الاجتماعية سواء كانت عرقية، دينية، جنسية أو حتى قومية والتي تتزايد فيها التصادمات والانشقاقات بسبب الأزمة الاجتماعية. فالأغلبية تجد الأسهل دوما أن نغضب بدل أن نتعقّل. وهكذا يمكّنون لأوضاع جديدة تخدم تلك النخبة ولكنها لن تغيّر سيرورة الأوضاع بالنسبة للشارع فيتصاعد الغضب.
وبالتالي يلجأ السياسيون للعب على خطوط الصدع أكثر فأكثر مفجّرين ومضخّمين الانشقاقات. وهذا الانفجار سواء كان محلّيا أو إقليميا أو حتى عالميا سيقود لترتيب أوضاع جديدة. عندما يتحقّق اليأس من سياسات الصّدام مدفوعا بالألم والإحساس بالفاجعة، تتم صياغة عقود اجتماعية وأنظمة إقليمية أو دولية تلبّي جزءا من احتياجات الجماهير الغاضبة، دافعة باتجاه توازن أكبر في الوضع وإن إلى حين.
اضف تعليق