في نقاش قديم، كانت المقارنة بين شارون وبيرس لصالح بيرس عند من يناقشني، على أساس أن شارون يقوم بالقتل والهدم ومصادرة الأراضي… إلخ. شمعون بيرس كان أخطر مئة مرة من شارون على المشروع الوطني الفلسطيني، لعدة أسباب، لا تتعلق بكونه مسؤولا عن مذبحة قانا، ولا بكونه مؤسسا للمشروع النووي الإسرائيلي. فهذه رغم خطورتها، لا تعد شيئا جوار الأفعال العسكرية الأخرى لقادة إسرائيل الموصوفين بالدمويين، لكن بيرس كان يلعب في ملعب آخر لم ينتبه له الكثيرون. لقد كان يقوم بتبييض ساحة إسرائيل في المحافل الدولية.
بيرس كان يلعب في ملعب آخر لم ينتبه له الكثيرون. لقد كان يقوم بتبييض ساحة إسرائيل في المحافل الدولية.
بصفته من أكثر القيادات الإسرائيلية ذكاء وثقافة، فقد كان يتمكن بسهولة من تبرير أي فعل تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية. وبسهولة أكبر يبرر موضوع الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس. لقد كانت خطورة بيرس واضحة لمن يريد أن يرى. فبالهدوء الذي كان يتمتع به في إجاباته على الأسئلة التي كان يظنها الكثيرون محرجة، كان يخرج من أي مأزق بشكل لافت، بل ويدعو إلى الإعجاب. بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين حشر إسرائيل كحركة تحرر من عبودية النظرة الدولية لليهود في مؤتمرات الاشتراكية الدولية. ببساطة، لم يدع مجالا لم يدخله. في الوقت ذاته الذي كان شارون وأمثاله يسيئون إلى سمعة إسرائيل ويخربون علاقاتها الدولية، كان هو بمثابة جدار الحماية الذي يقوم بتعديل الصورة التي يشوهها القادة العسكريون الإسرائيليون الآخرون، إلى الحد الذي جعله يفوز بجائزة نوبل للسلام، دون أن يرفّ جفن لمن أعطاه الجائزة باعتباره “رجل سلام”.
في الواقع، إن هناك خطوطا حمراء لا يمكن لأي قيادي في إسرائيل تجاوزها، وشمعون بيرس ليس استثناء. وحين يتم الحديث عنه كرجل سلام، فإن النتائج التي أدت إليها “سلامية” بيرس، هي أخطر بكثير من استمرار الحالة القديمة للعداء المتمثل في احتلال وشعب تحت الاحتلال. لقد نجح بيرس بسياسته ودهائه أن يحول قضية الاحتلال الإسرائيلي إلى قضية قابلة للنقاش، وأن يحول القدس إلى قضية قابلة للنقاش. استطاع كذلك أن يصوّر الفلسطينيين كندٍّ عسكري لإسرائيل التي تملك أكبر ترسانة أسلحة تقليدية وغير تقليدية في الشرق الأوسط.
استطاع أن يصوّر الفلسطينيين كندٍّ عسكري لإسرائيل التي تملك أكبر ترسانة أسلحة تقليدية وغير تقليدية في الشرق الأوسط.
لطالما كان يخيفني أمثال شمعون بيرس، ليس فقط لكونه إسرائيليا ساهم في ترسيخ دولته المحتلة كدولة لها وزنها في العالم، ولكن بسبب هذه القدرة المرعبة على التسلل إلى مكونات العقل العربي، والقدرة المذهلة على التعامل معه، لدرجة أن زيارته إلى عدة دول عربية أصبحت عادية ولا تثير أي نقاش، بل وإنه كان في أوقات كثيرة الأب الروحي لأفعال يرتكبها العسكريون في إسرائيل، لكن دون أن يظهر في الصورة بشكل مباشر.
وفي النهاية، نجح بيرس في أن يجعل من موته نفسه محل نقاش، ومن شخصيته “السلمية” محط إعجاب كثيرين من العرب والفلسطينيين، هل يمكن الحديث عن خطورة شارون ونتنياهو بعد هذا؟
اضف تعليق