كانت السماء تكتب خطابا؛ مزيجًا من الحديث عن نفسها والحديث مع المُرسل إليه بينما نفد الغيم من قلمها، وبقيت ترتعد حيث حلّ الخريف. دار حديثٌ صامتٌ يسوده التفكير في الهرب، لكنّها تودّ أن تُكمل الخطاب أوّلا لترسله لمن يهمّه الأمر ومن ثمّ ترتحل لتغطّي حيّزًا آخر لم تهرب منه الطّيور. وكلّ الأطفال هناك يعرفون أسماء الأشجار والزّهور بعناية ودقّة. بدأت تبحث عن مِدادٍ لتُكمل النصّ، لكن كلّ ما يجول بخاطرها شذرات كإجابات على أسئلة سرمدية تصحب الموجودات منذ الأزل وستبقى تروادهم عن سلامهم حتّى الأبد.
فاتحة
ستغيب إذا غاب هو لأنّها بلا عمد ومن هنا سيكون نهايتها سقوطًا مدوّيًا يُسمع موتى أوّل جريمة في التّاريخ.
الحُب ممارسة التوحد بين مفردتين يصعب تحديد مكانهما وسرعتهما في الوقت نفسه.
الكتابة لسان اللامنتهي.
والحبيب من جاء عند قبول الغياب والفقد.
الموت قدم الحياة الثانية، انتصاف عدد الأرجل حسب من أو ما يهمه الأمر.
ختامًا
لقد قلتِ لي قبل أن تغادري فجأة من أين لكِ كلّ هذا الشرّ؟ وأجبتك أنّ لكلّ وردة أشواكها، ابحثي عن أشواكك! لا تخافي.. عندما كنّا بالمحيط خرجنا أكثر قوّة وتجاوزنا المُنقذ والمُخلّص. وعرفنا السعادة وفضنا كالطّبيعة. أكتبُ لكِ بينما الغيم يوشك مرّة أخرى على النّفاد. النّجوم التي تخفُت لم تعد تُقلقني، لا شيء يفنى إذًا ستُولد من جديد، والأخرى تلمع عندما يشتدّ الظّلام فارفعي رأسك لتري النّور. لا تتعجّبي إن كان الختام أطول من الفاتحة؛ الفاتحة للعجولين والتّيه لنا كي نلتقي بعده.
هكذا كان خطاب السماء الفوضوي. يُشبه كلمات شخص يهذي، فقد كلّ ما يؤمن به لكنّه يريد ولو لحظة طمأنينة واحدة. يستجلبها من حضور الغياب. السماء تبحث عن الطمأنينة وصديقتها اختفت. الرحيل مُتاح، لكن الرّغبة لم تشتد ولم تشتعل بما يكفي، ربما فيما وراء الحُجب خطابات أخرى تنتظر دورها. ربما الخريف لا يريد هكذا وداع، يحق للخريف أن يُملي شروطه فهو الأقرب للعاثرين؛ يُشبههم وجماله عزيز لا تراه كل عين.
اضف تعليق