الأحلام شحيحة هذي الأيام، أو ربّما هي مرهقة جدّا لتجد طاقة وتخلق مشاهد وتمارس فعل الحُلم. لم تصحُ من حُلم فزعة في الخامسة صباحا منذ أشهر طويلة. في آخر صحواتها من حلمٍ صباحا باكرا، كانت مظفّرة. فقد غادرت مسيرة نسويّة تقودها مندّدة بفيضان في أفكار الدّعِيّات. وطبعا هذا أمر عظيم، أن تكون قائدة هُمامة وإن في ساحات الهتاف. أ ليس كذلك؟
آخر صحواتها الفزعة كانت يوم عيد، عيد حميم احتُفِل به مسبقا. احتفلت به امرأة لم تكن هي ولو أنّها تشبهها في تفصيل أو اثنين وهي لا تريد قطعا أن تماثلها بغير هذا. تلك غيرة النساء، ورغبة الفرادة التي لا تموت. صوت بداخلها يقول “أنّى لك الفرادة، وأنتِ من ساكنة الهامش؟ هامش قصّة الحبّ العظيمة، على أقلّ تقدير. لا نجرحنّك بالتذكير بهوامش أخرى.” تُخرسه وتواصل الاسترجاع.
ككلّ أحلام المراهقات البطل رجل. ولنضف على الموضوع بعض إثارة فنقول أنّه رجل نذل راقص على الحبال، لابدّ من هكذا صفات ليبدو الأمر مغريا وشادّا للاهتمام، طبعا. وهي، المراهقة الصغيرة، مدلهة بحبه، فيكتمل المشهد الكلاسيكيّ. لم ينفع في ردّها عنه لا سنوات العمر الفاصلة ولا فواصل أخرى لا داعي لإيرادها. المهم أنه راقص وهي المشدوهة بالتفافاته.
حتى لا نطيل القصّة وتَكثر التفاصيل والاستدركات كهذا، نعلن الحدث الأبرز في الحلم: كان إعلان ارتباط. سيفغر فاك دهشة أو تقلب شفتك استنكارا ويخطرك طبعا السؤال: “وهل ‘إعلان ارتباط’ حدثٌ يناسب حلما مفزعا تصحو منه امرأة فزعةً في ساعات الصباح الأولى؟” بلى، إنّه حدث مفزع. لقد اختار راقص الحبال حبلا دائما لرقصاته، غيرَ المراهقة المدلهة. بل إنّها قد تفاجأت بالحدث معلنا على فيسبوك. كيف لا ودائرة الجماهير فيه أوسع من الواقع؟ بل هو المكان الوحيد -وإن كان افتراضيا- الذي تستطيع فيه معرفة أخباره. الآن اقتنعت بأنّ الحلم مفزع، امرأة أخرى مثلها ستجده مريعا أو تراجيديا حتّى. لنحمد الله أنّها لم تهوّل الأمر أكثر، فهذا دأب النساء.
لا شك وأنّك تقهقه ساخرا، بعد هذا الشرح. ولكنّك تهمل أيضا تفصيلا سبق ذكره: “إنّها مراهقة.” وهذا طبيعيّ، كذا هي علاقات الفتيات المراهقات اليوم. ثمّ إنّها ستنضج وتعي أنّ هكذا علاقات ليست إلّا تجارب مثيرة لا بأس بها لمن هنّ بسنّها. ثمّ تكبر وتراكم التجارب وتتذكّر قصّتها مع راقص الحبال بابتسامة عريضة. فهو في النهاية كما في حلمها الأقرب للرؤيا والنبوءة سيقضي بقية حياته مع أميرة متوّجة تحتفي به في كلّ مناسبة، بمناسبة وبغير مناسبة. يسمّيها امرأته ويقدّس كفّها الذي يحتضن خدّه. ويجول وإياها في أماكن لا تراها هي إلّا في الصور التي يشاركانها منفَصِليْنِ على فيسبوك، أيضا.
لقد صحت فتاة من عزّ سنوات المراهقة على ساعة صبح بحريّ باكر، فزعة، لتطرد نوما في العسل غطس فيه عقلها. استكانت دقّات قلبها بعد التخبّط والخوف، تنفست بعمق وأعادت النظر في الأمر. أ تطرده وهي ترغبه؟ راقص الحبال؟ لا.. لا، بل العسل الذي غطس فيه عقلها. تنهّدت بعمق، ولعقت شفاهها تتلذّذ بطعمه. هزّت حاجبها الأيسر لتزيد الزاوية التي يرسمها حدّة. حدّقت في الحلم الغبيّ. وقرّرت أن تخنقه.
وبناء عليه، قفزت من سريرها راقصة تدندن:
عيناك ليالٍ صيفيّة
ورؤى وقصائد ورديّة
ورسائل حب هاربة
من كتب الشوق المنسية
مع بعض التمرين والتعوّد ستصبح راقصة جيّدة، ولن تكتفي. لن تكتفي بالرقص، عليها أن تتعلّم القفز على الحبال. واصلت رقصها وروب النوم يطير حولها مشكّلا مظلّة تبهج عيونها، فتكفّ لتتلبّس دورا وتضحك ثمّ تعود للأغنية والدوران. ستصبح في حلم آخر، نذلة وهو مراهقا مشدوها. وفي آخر، أميرة ينحني أمامها كما في أفلام الكرتون طالبا يدها.. ضحكت مطوّلا من خيالها الطفولي واتجهت نحو الحمّام مدندنة:
ومضيتَ شراعا يحملني
كقصيدةِ شمسٍ بحريّة
لوعود راحت ترسمها
أحلام فتاة شرقية
اضف تعليق