الجزء الأول: عن المعارك والأسرى والسبايا
يقول المستشرق الفرنسي والأمين السابق لمكتبة دار الآثار العربية جاستون فيت عن الحادثة:
“إن عبد اللطيف البغدادي المتوفى سنة 629 هـ ( سنة 1230 مـ ) والمشهود له بتوخي الحقيقة والكتابة الجدية كتب يصف عمود السواري فقال عنه إنه الأثر الوحيد الباقي من ذلك البناء الفخم الذي علم فيه أرسطاليس وتلاميذه من بعده.” ثمّ أضاف هذا الطبيب البغدادي الشهير إلى ذلك الوصف قوله “وهناك كانت تقوم المكتبة التي أحرقها عمرو بن العاص بأمر عمر.”
وقد أحرق ابن العاص الإسكندرية بعد حربه مع البيزنطيين. فإنه كان قد أقسم إن كان له النصر، فسيهدم أسوار الإسكندرية. ونفّذ بالفعل ما كان قد أقسم به وأمر جنده أن يدكّوا الأسوار حتى يسووا بها الأرض، ثم أمر جنوده أن يضرموا النار في المدينة بأكملها.
وقد جاء في كتاب “مصر الإسلامية ” لإلياس الأيوبي ص 99 ما نصّه “فحلف عمرو بن العاص لإن أظفره الله عليهم ليهدمن ذلك السور حتى يكون مثل بيت الزانية يؤتى من كل مكان.”
أمّا ستانلي لاين بوول فيقول في كتابه ” تاريخ مصر في العصور الوسطى ” ص21:
“إّن عمرو بن العاص لم يكتف بهدم أسوار الإسكندرية بل أحرق المدينة كاملة ومنها مكتبة الإسكندرية العريقة.”
الرحالة بيير مارتير دانجيرا – الذي مرّ بالإسكندرية عام 1502 يقول: ” يا للأسى! هذه الإسكندرية الشهيرة العظيمة، الغنية بسكانها البالغة أقصى درجات الجمال التي كانت في غابر الزمان عاصمة البطالمة. رأيناها ويا لهول ما رأينا مهدمة مدمرة يتطرق الهجران إلى معظم أرجائها. ( كتاب ” مصر من مينا إلى فؤاد الأول ص 199 – دي هينو )
إنّ خطاب عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص كان خطابا قاطعا لا هوادة فيه. وقد أورد ابن خلدون هذا الخطاب في مقدّمته مبينا أنّ الخليفة بعث إلى سعد ابن أبي وقّاص فاتح بلاد الفرس وخاصا بمكتبتهم قال له فيه وكان رأي الخليفة هذا عاما على جميع الكتب في الأقطار التي فتحتها يد الاسلام قال صاحب ( كشف الظنون ) ص 446: “إن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وإن يكن ضلالا؟ فقد كفانا الله تعالى. فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها. وقد ورد في المواعظ والاعتبار ما يلي: “كتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا إلى عمرو ابن العاص قائلا: ” إذا كانت هذه الكتب لا تحتوي على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها وإذا كانت هذه الكتب تنافي ما جاء بالقرآن فهي ضارة ومؤذية لا يجب حفظها. إذا ففي كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود.” وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية. (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار للمقريزى طبع بولاق 1272هجريه ج1 ص159).
وكان بطليموس الأول الذي حكم مصر ما بين 285 و 246 ق م هو الذي يرجع له الفضل في إنشاء هذا الصرح العظيم الذي ضم ترجمات بعشرات الآلاف لكل أنواع الثقافات المنتشرة في ذلك الوقت بما فيها الفلسفات الوثنية والهرطقات وكل البدع، و جعل في أجنحتها أمناء من ذوي المعارف والعلوم المتعددة، ومن بين الكتب التي أمر بطليموس بترجمتها “العهد القديم” ووكّل لذلك اثنين وسبعين من أشهر المترجمين اليهود وجعل كلّ واحد في مكان بعيد حتى يضمن ترجمات متطابقة.
قال ابن خلدون في تاريخه 1/32 تعليقا في الخطاب على ماتحتويه المكتبات “لهذا استندت هذه الخطابات على أسس خاطئة فكانت النتائج مدمّرة للعالم كلّه لأنّ مكتبة الإسكندرية كانت تحوي تسجيلا كاملا ودقيقا لأسس حضارة العالم ومقوماته الفكرية والثقافية والعلمية وعند تدمير الأساس (السجل الحضاري) انهارت العلوم ورجعت البشريه قرونا من التخلف الحضاري.”
ثم يعرض لنا أيضا المؤرّخ المسلم العربى الشهير ( المقريزى ) فى كتابه “المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار” فى حديثه عن عمود السواري ص 159، كتب يقول: “… إن هذا العمود من جملة أعمدة كانت تحمل رواق أرسطاطاليس الذى كان يدرس به الحكمة وأنه كان دار علم وفيه خزانة كتب أحرقها عمرو بن العاص بإشارة من عمر بن الخطاب رضى الله عنه”.
* لقد ذكر المستشرق جيبون Gibbon بأن عدد الحمامات التى تغذّت على مكتبة الإسكندرية طيلة ستة أشهر كان أربعة آلاف حمام … فلك أن تتخيل الكم الهائل من الكتب التى ظلّ تتغذى عليها أربعة آلاف حمام طيلة ستة أشهر.. كم يكون “
اضف تعليق