في مثل هذا اليوم، تمّ اغتياله في أحد شوارع لندن. ناجي العلي، شهيد الريشة، رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي أسّس لمنهج مقاومة ثقافي لا يزال حيّا ومؤثّرا. ناجي هُجّر من قريته الفلسطينية، الشجرة، سنة 1948 لينشأ لاجئا في لبنان ويعرف الاعتقال والسجن وتبدأ موهبته بالتشكل بين جدرانه. الشهيد اكتشفه شهيد آخر هو غسان كنفاني. شاهد كنفاني ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة لمخيم عين الحلوة، فنشر له أولى لوحاته. كانت عبارة عن خيمة تعلو قمّتها يد تلوّح، وذلك في مجلة “الحرية” العدد 88 في 25 سبتمبر 1961.
عُرف عن ناجي العلي انتماؤه لفلسطين فقط، وعدم قدرته على الانضباط الحزبي أو رفضه له، وهذا ما جعله يغادر “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. يشهد عليه ردّه الشهير على الشّهيد كنفاني عندما عرض عليه إعادته للحزب بعد فصله بحجة عدم الانضباط:
يا عمي لا تتّصل ولا تغلّب حالك، أنا كحزبي ما بنفعكم، أنا إنسان غير ملتزم بأيّ شيء إلّا بفلسطين، أنا مناصر لكم ومعاكم، ولكن خطوتي لوحدي ولساني طويل، بكرة بفقع جُملة هون ولاّ هناك ما بتعجب الحكيم ولا باقي الحكماء بتطردوني مرة ثانية. لا يا عمي خلّينا من برّه لبرّه وصحاب هيك أحسن.
ناجي “بيحب الناس كلّها بس العوج ما بطيقه“، وانتماؤه هذا -لفلسطين فقط- جعله لا يجامل ولا يجمّل، لم يسلم أحد من ريشة ناجي الصريحة وحادّة النّقد: التنظيمات الفلسطينيّة، والقيادات، والشخصيات الثقافية، والأنظمة العربيّة، وصولا للمواطن العربي المتخاذل. ولعلّ هذا ما تسبّب بمصرعه. فرغم أنّه لم يُقل صراحة أنّ الجهة الفلانية خلف اغتيال العلي، إلّا أنّ إشارات كثيرة تحيل على تورّط الموساد الإسرائيلي، ومنظمة التحرير الفلسطينية والنظام السعودي. وفي ما يلي نماذج من تصريحات للشهيد ناجي العلي، ورسوماته التي أغضبت الجميع.
يقولون أنّ علينا أن نغلق ملفّ القضية الفلسطينية وأن نحلّها كما يريدون لنا أن نحلّها وأقول لهم: إن كنتم تعبتم ففارقونا!
مجلة الموقف العربي أغسطس/آب 1983
لقد كنت قاسيا على الحمامة لأنّها ترمز للسلام. والمعروف لدى كلّ القوى ماذا تعنيه الحمامة، إني أراها أحيانا ضمن معناها أنّها غراب البين الحائم فوق رؤوسنا، فالعالم أحبّ السلام وغصن الزيتون، لكن هذا العالم تجاهل حقنا في فلسطين. لقد كان ضمير العالم ميتا والسّلام الذي يطالبوننا به هو على حسابنا ، لذا وصلت بي القناعة إلى عدم شعوري ببراءة الحمامة.
ناجي العلي مجلة “ألف باء” العراقية 8 تموز “يوليو” 1981
أنا أعرف خطّا أحمر واحدا، إنّه ليس من حقّ أكبر رأس أن يوقّع وثيقة اعتراف واستسلام ” لإسرائيل”. قضيّتنا مع هذا الكيان هي قضية مصيرية وتاريخية فلن يعجز أبناؤنا وأحفادنا. بأي حقّ يرضون بالتنازل عن حق لا نملكه نحن فقط، بل تملكه كل الأجيال الفلسطينية بالتنازل عن حق لا نملكه نحن فقط، بل تملكه كل الأجيال الفلسطينية والعربية المقبلة، ليتحدثوا عن المفاوضات والمؤتمرات والدولة الفلسطينية ما حلا لها الحديث، وهم يعرفون أنّه لا يوجد نظام عربي واحد يتمنّى وجود دولة فلسطينية حرّة وديموقراطية. وأنا لا أقول بأن تحرير فلسطين مهمة الشعب الفلسطيني وحده، هذا وهم، تحرير فلسطين مرهون بالشعوب العربية، والأنظمة الحالية تعتبر نفسها غير معنية، هكذا أفهم الصراع. وشروط هذا الصراع هو أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب.
غانم غباش، الأزمنة العربية، قبرص، آب 1987
يا عمّي لو قطعوا أصابع يدي سأرسم بأصابع رجلي.
ردّه على تهديده بحرق أصابعه بالأسيد:
كانت هناك أشياء كثيرة تدعو لليأس. في تلك اللحظة، كان هناك لون رمادي يحيط بالأفق لكنّني شعرت بتحفز داخلي غريب، إن حواسي تصبح أكثر وضوحا. أن أشير إلى نافذة مفتوحة في الأفق يبدو منها خيط من النور وأن أعرّي أولئك الذين لا يكفّون عن الضّجيج بأن الظلمة تشمل كل شيء وأن التسول هو لغة استرجاع الحق، كلّ هذا أقلّ ما أستطيع أن أفعل دفاعا عن كرامة الذين ضحوا في لبنان وفي فلسطين دفاعا عن الحقّ الحلال في الحلم بالمستقبل.
مجلة كل العرب، مصر أغسطس/آب 1985
أنا لمّا برسم ما بحسب حساب لحدا. يا عمي انتو بتقولوا بمد الجسور مع اليسار الإسرائيلي، مدّوا زي ما بدكوا. بركي الجسور بتقيدكم مستقبلا. أما أنا وجماعتي فلا، إحنا يا عمي إلنا جسورنا. جسورنا إحنا مع الناس المشردة ممدودة بخط واحد ما في غيره، من باب المخيم لباب الحرم، مع أهلنا في الداخل. هاي جسورنا وما بنعرف غيرها.
من حوار هاتفي جرى بين ناجي العلي ومحمود درويش، نُشر محتواه في مجلة الأزمنة العربية عدد 170 /1986/ ص14. وجاء هذا الحوار عقب رسم كاريكاتيري للعلي انتقد فيه درويش الذي دعا إلى مد الجسور مع اليسار الإسرائيلي.
اضف تعليق