لا يمكن لمتتبّع للشّأن المغاربي تجاهل حقيقة أنّ العلاقات المغربية الموريتانية تمرّ بأسوأ فتراتها منذ أربع سنوات وإن كان بشكل صامت وخجول في سنواتها الفائتة، قبل تحوّلها في الشّهور الأخيرة إلى ضجيج يصمّ الآذان بسبب القضيّة الصحروايّة والقمة العربية المزمع عقدها في موريتانتيا، واتهامات موريتانية للمغرب باستخدام سفارتها في نواكشوط كوكر للتّجسس وأمور أخرى. وبالعودة إلى الخلف، تتّضح الصّورة الحقيقيّة لأسباب هذا التّوتّر المكتوم والذي ينذر بانفجار.
الرّئيس الموريتانيّ الحاليّ محمّد ولد عبدالعزيز هو ربيب المغرب حيث تلقّى تكوينه العسكريّ ودورات تخرّجه في المغرب. وحين قام بانقلابه على التّجربة الديمقراطيّة اليتيمة في التاريخ الموريتاني عام 2008، حصل على مباركة القذافي ولم تعترض على هذا الانقلاب على اعتبار أنّ من قام به هو أحد الضبّاط الذين تعرفهم المغرب جيدا، وتربطه بها علاقات اجتماعية حيث أنّ أمّ زوجته مغربيّة وقبيلة أولاد بسبع التي ينحدر منها كان لها كثير من الود مع المغرب، ممّا جعل المغرب يعتبره محسوبا عليه بشكل أو بآخر. ولا شيء أدلّ على ذلك من احتفال الرّئيس الموريتاني بعقد قران ابنته على الطّريقة المغربيّة (والتي تختلف جذريّا عن تقاليد العرس الموريتاني).
فيديو:
شعرة معاوية التي أوشكت أن تُقطع بين البلدين
صاحَب هذا التّوتر المكتوم امتناع موريتانيا عن تعيين سفير لها في المغرب منذ عام 2012. واكتفت بقائم بأعمال يسيّر أعمالها في المغرب لكن، حبل الإتّصالات لم ينقطع بين البلدين وظلّ كلا الطرفين الرّسميّين يردّد بدون كلل بأنّ هذا التّوتر محض إشاعة تردّدها وسائل الإعلام. وكان وزير الخارجيّة الموريتاني الحالي يزيد بيه ولد أحمد محمود إبّان شغله منصب الناطق باسم الحكومة قد صرّح أنّ “عدم وجود سفير في سفارة موريتانيا بالرّباط لفترة لا يعكس بالضرورة جمودا في العلاقات الثنائية” مضيفا “لكن إذا كنتم -مخاطبا الصحفيين- تربطون بين طيبها وحسنها بسفير، فسيتأتى ذلك عمّا قريب”.
وتلت هذا التّصريح زيارة لوزير الشؤون الخارجية والتّعاون المغربي صلاح الدين مزوار في 23 أكتوبر من عام 2014 لموريتانيا ولقائه بالرّئيس الموريتاني محمّد ولد عبد العزيز. وأشار مزوار إلى أنّ موريتانيا والمغرب يملكان “دورا أساسيّا اليوم في الحفاظ على الاستقرار والطمأنينة في المنطقة مع وجود تعاون أمني متميّز وتواصل مستمرّ ما بين وزيري خارجيّة البلدين إزاء كل القضايا المشتركة.”
لكن ما أعاد التّوتّر المكتوم بين البلدين إلى الواجهة هو ترحيل موريتانيا للمستشار الأوّل للسّفير الجزائري في موريتانيا بلقاسم الشّرواطي على إثر تسريبه لخبر عن نيّة موريتانيا تقديم شكوى ضدّ المغرب بسبب تهريب المغرب للمخدّرات عبر الحدود الموريتانية. صحيح أنّ موريتانيا تصرّفت بحزم مع الدّبلوماسي الجزائري ممّا أدّى للتّوتر مع الحليف الجزائري للنظام الموريتاني، لكن المغرب خمّن أنّ الخبر كان صحيحا وتراجع موريتانيا عن التّنفيذ لا يعني له شيئا.
استمرّ التّناكف بين البلدين خصوصا مع إعلان المغرب رفضها استضافة الدّورة 27 للقمّة العربيّة في 29 مارس من هذا العام مبرّرة ذلك بأنّ “القمّة العربيّة لا يمكن أن تشكّل غاية في حدّ ذاتها، أو أن تتحوّل إلى مجرّد اجتماع مناسباتي.” فسارعت موريتانيا إلى إعلانها عن قبول استضافة القمّة.” (رغم افتقادها للبنية التحتيّة المناسبة لاستضافة هكذا قمم، وشرعت على الفور في مسابقة الزمن في إصلاح الشوارع وتهييء البنية التحتيّة المناسبة لاستضافة القمّة. يقال بأنّ هذه الانشاءات بتمويل سعودي).
تصاعد التوتّر بسبب الصّحراء وقضيّة تجسّس
تُعدّ القضيّة الصّحراويّة إحدى الخطوط الحمراء للدّولة المغربيّة التي لم تقبل المساومة عليها عبر تاريخها. وكانت سبب توتّرها مع جارتها الجزائر، بل مع أعلى مسؤول دولي وهو الأمين العام للأمم المتّحدة على إثر تصريحه الذي تضمّن كلمة “احتلال” بتوصيفه للعلاقة بين المغرب وما تعتبره إقليمها الجنوبي (الغني بالمعادن) وخروج مظاهرات كبيرة مندّدة بتصريحات بان كيمون وشتمه في مظاهرات شعوبية تحت رعاية الدولة المغربية. وعلى إثر وفاة القائد التاريخي لجبهة البوليساريو المناوئة للحكم المغربي للصّحراء محمد عبدالعزيز (الذي يحمل نفس اسم الرئيس الموريتاني الحالي). أصدرت الحكومة الموريتانيّة بيانا نعت فيه “المناضل الكبير من أجل الحرّيّة” وبعثت وفدا برئاسة وزير التّوجيه الإسلاميّ للمشاركة في جنازة زعيم البوليساريو.
هذا البيان وتلك المشاركة صنّفتهما المغرب كتخلّي لموريتانيا عن حيادها تجاه القضيّة الصحراويّة، بعد أن خاضت موريتانيا حربا طويلة إلى جانب المغرب وضدّ جبهة البوليساريو إبّان حكم الرئيس المختار ولد داداه. وكانت من أسباب انقلاب المؤسسة العسكرية عليه واتخاذ موريتانيا موقف الحياد في هذا الملف. ممّا دفع المغرب لرفض استقبال وزير الخارجيّة الموريتانيّ الذي توجّه إلى المغرب لتسليم دعوة للعاهل المغربي لحضور قمة نواكشوط. وظلّ 3 أيام دون أن يُسمح له بلقاء الملك أو حتى استلام الدّعوة التي يحملها لحضور القمة.
التصعيد الموريتاني
قامت موريتانيا على الفور بعد رفض استقبال وزير خارجيّتها بسحب رخص عمّال أجانب مغاربة بشركة الاتّصالات الموريتانيّة المغربيّة “موريتل” كبرى شركات الاتصالات العاملة في موريتانيا بأمر من مفتّشية الشغل بدعوى تطبيق قانون قديم يقضي بعدم شغل المناصب الحسّاسة من غير الموريتانين. ويذكر أنّ شرطة موريتل للاتصالات من أضخم استثمارات المغرب في موريتانيا والأكثر ربحا، وربّما تشمل أيضا هذه الإجراءات مصالح مغربية أخرى في البلد.
أوراق المغرب في مواجهة موريتانيا
لازال في جعبة المغرب أوراق لم يلعبها فهو قد شكّل في السّنوات الأخيرة السلة الغذائية لموريتانيا فيما يخصّ الخضروات والفواكه -التي تنتجها موريتانيا بكميات متدنية للغاية. كما تعتمد موريتانيا على حدودها البرّيّة مع المغرب لجلب احتياجاتها منه في الشحنات المغربية. تربط المغرب كذلك مع جارة موريتانيا، السينغال، علاقات روحيّة (عبر الطّرق الصوفيّة) واقتصاديّة كبيرة تدفع ملك المغرب لزيارة سنويّة للسّينغال. بإمكان المغرب أيضا استخدام التّوتّر بين السينغال وموريتانيا في قضايا الحدود والمياه بالإضافة إلى استضافتها لأبرز المعارضين السياسيّين للرّئيس محمد ولد عبدالعزيز من داخل قبيلته ومن أبرزهم رجل الأعمال محمد ولد بو عماتو.
اضف تعليق