حين كنت طفلا، لم أكن أفهم ما معنى مسيحي ومسلم، ولا كنت أفهم ما يعنيه صوم مسلمين ومسيحيين. عندما بدأ إدراكي يكبر تدريجيا، فهمت أنّ في ثمّة شيئا اسمه “رمضان” وأنّ غير المسيحيين يصومون بدون أكل ولا شرب. ونظرا لأنّ غير المسيحيين -أي المختلفين عني- كانوا كثرة، كنت أشعر أنّه حدث جليل جدّا وأنّ من يفطر فيه يكون قد “عمل كارثة”. وفعلا، كنت في المدرسة أحاول أن أشرب في مكان ليس فيه أحد. وإذا جعت، انتظرت حتى أعود للبيت. وكنت أفعل هذا حتى لا تحدث مشاكل.
بعد فترة، فكّرت:”لماذا أفعل هذا؟ لماذا أجبر نفسي على شيء لا علاقة لي به؟ فلآكل وأشربوأفعل ما أريد! هل سأخاف من أحد؟” وفعلا، جاء رمضان وكنت أشرب وآكل وأفعل ما أريد. في بداية الموضوع، كنت أشعر أنّي “حد جامد” وقلب ميت ولا أخاف وأنّ هذا حقّي وأنا حرّ!
مع الوقت، أصبحت أتساءل “ما هذا الهبل الذي أفعله؟” فلا مشكلة إن احترمت مشاعر المختلف عني وشربت في مكان بعيد عنه، أو فعلت ما أريده دون أن أجرح مشاعره، لكن هل تعلمون كيف بلغت هذا الشعور؟ بلغته لأنّي حرّ في اختيار قراري، لست مجبرا ! فأنا وبإرداتي قرّرت أن لا أجرح مشاعر المختلف. كان بإمكاني أن أستفزّ مشاعر الآخر، لكنّي رفضت. وهنا مشاعر المحبة مبنية على قوّة لا على ضعف. هذي هي المحبّة، أنّه من الممكن أن تكره وفي كلّ مرّة تختار أن تحبّ. لو أنّ المحبّة إجبار، ما فضل الإنسان في هذا؟
ثمّة شريحة من النّاس تظنّ أنّ في مشاعر الإخاء بين المختلفين في المجتمع وخصوصا المسيحيّين والملسمين، نوع من النفاق أو الرياء نظرا لأنّ أغلبها يكون نابعا من خوف أو جبن. فالأضعف مجبر علي تقديم مشاعر الحب. وهنا تكمن المشكلة. لتكون الوحدة الوطنية أو مشاعر الإخاء موجودة فعلا وليس فقط كلاما في الجرائد أو معايدات على مواقع التواصل، يجب أن تتوفّر بيئة للحريّة والتسامح الحقيقي لتنمو هذه المشاعر. ربّما كان من حظّي أنّي لم أكن في مكان متطرّف يجبرني أن أقوم بشيء ما غصبا، مثلما هو الحال في بلدان دينية كثيرة أو في مناطق متطرّفة في قرى مصر حتّى. وهذا ما جعلني أختبر فعلا كم هو ممتع أن يكون للإنسان قراره الحرّ. فيختار أن يتضامن ولو نفسيا مع أخيه الإنسان حتى وإن كان غير مقتنع بعقيدته أو حتّى ممارسته. في المقابل، ثمة من هو مجبر فعلا على إظهار مشاعر المحبة والإخاء في ظلّ ظروف إجبارية تعسفية. فتبقى مشاعر مزيفة منافقة حتى وإن كان المجتمع فرحا بظاهرها وسطحيّتها، لأنّ جوهرها مفرغ وهش.
“بجدّ، رمضان سعيد علينا كلنا”. أتمنى فعلا أن يكون فرصة للكثير من الناس مهما كانت ديانتهم أو اعتقادهم، ليتقربوا من ربّنا ويفهموا أنّ الله موجود في المحبّة والرّحمة والتّسامح، أنّ الله موجود في السلوك قبل الطقوس.
اضف تعليق