الدوغما:
أسلوب سينمائي ربّما لا يعرفه البعض. الدوغما حركة سينمائية جديدة أسّسها سنة 1995 المخرج الدنماركي Lars von Trier (مخرج فيلم Dancer in the Dark) وصديقه Thomas Vinterberg (مخرج فيلم Festen). الهدف من “الدوغما” هو التحرّر من كلّ الشروط الإنتاجية الباهظة الي يتم فرضها على المبدعين في مجال السينما و”الثورة” على كل أساليب المؤثرات الصوتية والخدع البصرية وجعل الأفلام أكثر واقعية لدرجة تصل إلى حد الارتجال والزهد في المعدات السينمائية المكلفة، التصوير بالكاميرات المحمولة على اليد دون تثبيت ولا سكك ولا رافعات، فقط باليدين ودون أي مزج للأصوات أو الموسيقى. الإرتجال والعفوية فقط!
Dogville:
لِمئات السنين تجادل الفلاسفة حول قضية محورية تدور حولها كل الأمور التي تحدّد مصير الأفراد والمجتمعات: هل البشر أخيار بطبيعتهم أم أشرار؟
Dogville من الأفلام الدنمركية المتميزة للمخرج المثير للجدل وصاحب أسلوب الدوغما السينمائي Lars von Trier، خرج سنة 2003، من بطولة مجموعة مميزة من الممثلين العالميين أهمهم النجمة Nicole Kidman والممثل Paul Bettany. نافس العمل بقوة على السعفة الذهبية سنة 2008 وفاز بالعديد من الجوائز الدولية وتم اعتباره من طرف النقاد واحدا من أكثر الأفلام إستثنائيةً وإثارةً للجدل في القرن الحادي و العشرين.
ما الذي يجعل فيلم Dogville مثيرا للجدل؟
تدور أحداث الفيلم في قرية افتراضية أمريكية في منطقة نائية، يعيش سكّانها القلة بلطف وسكون وسط ظروف قاسية من البرد و الفقر و العزلة، إلى أن تأتيهم Grace الفارّة من إحدى العصابات الخطيرة، لتحرك المياه الراكدة في نفوسهم و تكشف حقيقة الدناءة البشرية الكامنة في أعماق المتساكنين اللطفاء خلف أستار سميكة من الكذب و النفاق.
أوّلا الطريقة التي قدّم بها Von Trier الفيلم. فقد تمّ تصويره على أرضية سوداء كخشبة المسرح بدون ديكور، لا أبواب ولا شبابك ولا جدران. فقط مجرد خطوط بيضاء بالطباشير تمثّل الإطار المكاني وتفصل بين مكوناته المختلفة، مع تركيز شديد على تبديل الإضاءة والأصوات وحركات الممثلين التي تنوب الروابط البصرية المعهودة. ثانيا، الكاميرا. كاميرا لا تهدأ طول مدة الفيلم وحتّى إن استقرّت، يبقى “الزووم” متنقلا بين الشخصيات مع إفراط غير مسبوق في اللقطات القريبة. كأنّ ثمة شخصا آخر مختبئا يواكب الأحداث ويوثّق ما يحدث. ثالثا، السيناريو الذي تمّ طرحه بأسلوب قصصي روائي. الفيلم مقسّم بين مقدمة أو توطئة و تسع فصول كأنك تشاهد عملا مسرحيا أو تقرأ كتابا.
كان الفيلم بالنسبة لي تجربة فريدة من نوعها أثبتت براعة وعبقرية المبدع Lars von Trier في التجديد على الدوام وخلق الأفكار الخارقة للمعتاد في كلّ مرة. القصة أيضا تفضح طبيعة البشر، وما يملأ أنفسهم من شر بحكم طبيعتهم المجبولة على الأنانية وحب الذات، والطباع الإنسانية التي يعتريها النقصان في اتباع غرائزها وشهواتها ورغباتها.
Festen/الاحتفال:
قول الحقيقة أمرٌ رائع.
لكن ماذا إن كان للحقيقة وقعٌ ربما يزلزل حياتك وحياة من حولك إلى ما لا نهاية !؟
ماذا لو كان لهذه الحقيقة مرارة إن “تقيّأتها” أفقدتك توازنك إلى الأبد!
فيلم Festen أو (الإحتفال) للمخرج الدنماركي Thomas Vinterberg الذي أخرج الفيلم وعمره أقل من ثلاثين سنة. عمل تُوّج من خلاله بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان Cannes عام 1998. الفيلم ليس بالتعقيد الموجود في السينما الأوروبية، عن احتفال يرتبه صاحب أحد الفنادق في الدنمارك بمناسبة عيد ميلاده الستين، يدعو أبناءه الثلاثة ومعارفه وأقاربه والناس اللذين يعرفهم لحضور حفل عيد ميلاده ولتمجيد ذكرى وفاة ابنته التي انتحرت بعد مرورها بظروف نفسية صعبة. طبعا ككل الاحتفالات الشرفية، يحضّر كل ضيف خطابا صغيرا لتهنئة صاحب الحفلة. يأتي دور الابن الأكبر لتكريم والده، لكنه يصعق الحضور بكشف أسرار خطيرة وصادمة بشأن وفاة شقيقته وأمور مريبة حول عائلته.
حقّق الفيلم إيرادات ضخمة في الدنمارك إلى درجة أنّه تفوّق في شبابيك التذاكر حتى على تيتانيك. ويعود لاعتماد المخرج أسلوب الدوغما، أيضا. كمحتوى، الفيلم مؤثر وممتع في نفس الوقت. سيكون مزعجا لمحبي الـHD والـDolby Digital، لكن السيناريو المشوق والحوارات المؤثرة والواقعية ستجعلك تسرح في معمعة من التساؤلات والتأملات.
تنويه: الفيلم يحتمل خيارين، إما رائع وإما مقرف!
الدرس من Festen، بالضبط كما قال هاري ترومان رئيس أمريكا الأسبق: “إنني لم أعكر صفو حياتهم أبدا، إنني فقط أخبرهم بالحقيقة. فيرونها جحيما”.
The Hunt/الصيد:
“لا براءة لمتهم أدانهُ طفل”. قف، انتهى.
من الأفلام الدنمركية التي تميزت في مهرجان كان أيضا، رائعة أخرى من روائع المخرج العبقري وصانع أسلوب الـدوغما /Dogm السينمائي، Thomas Vinterberg. الفيلم بعنوان The Hunt أو Jagten. خرج للعرض سنة 2012. وهو من بطولة Mads Mikkelsen الحائز على جائزة أفضل ممثّل في مهرجان Cannes 2012 عن دوره في الفيلم.
الفيلم من أجود أنواع الدراما، يحكي قصة “لوكاس”. مطلق في الأربعين من عمره يعمل مدرسا في روضة أطفال. يحاول أن يجد توازنه بعد تجربة زواج فاشلة. صاحب شخصية طيبة ومحترمة ومحبوبة بين كلّ الناس. يجد نفسه في يوم من الأيام متهما باطلا بالتحرش الجنسي بأحد أطفال الروضة اللذي يدرّسه، فتتحول حياته إلى كابوس وتأخذ منعرجا صادما وخطيرا وسط فقدان مكانته لدى الجميع.
الفيلم كعادة السينما الاسكندنافية سواء السويدية أو الدنمركية يتميّز بسيناريو صادم ومؤثّر، مع الإبداع في مجال التصوير السينمائي بأسلوب الدوغما، إضافة إلى أداء الممثلين. الدور الذي قام به “مادس ميكلسن” كان دقيقا جدا، يوضّح براعة هذا الممثل الذي حظي بتقييمات عالية جدا من النقاد والمشاهدين بفضل أداءه الخرافي، كما ترشح الفيلم بفضله لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.
أهمّ ما في الفيلم، أنه يفتح أبواب غامضة عن طبيعة البشر وتحليل نفسياتهم في حالة الصدمة، وردود أفعالهم في مواجهة المشاكل الخارجة عن المألوف . ويدفع المشاهد للتفكّر في العديد من الأمور: الصداقة، الشك، الكذب، الظلم، الانفعال وغيرها من الأحاسيس والمشاعر التي تتغيّر مع الظروف. فيما يخص عنوان الفيلم “الصّيد”، لماذا اختار المخرج “فينتربرغ” عنوانا مماثلا لفيلم لا يتحدث عن الصيد إلاّ في مناسبتين: بداية الفيلم ونهايته؟
اضف تعليق