عندما أقول أنّ جائزة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (الأوسكار) هي الأعرق والأعظم في التاريخ، سيرحّب الجميع بي وسيقولون “ليبارك الرب هذا الشاب” وربما يطلعني أحدهم على أغنيتة المفضّلة كي أشدو معه! وإن قلت أنّ مهرجان كان في نظري هو “السّاحر الأعظم” والذي يقدّر جميع أفلام دول العالم، لربّما قالوا:”ليذهب أحدهم لاستدعاء الطبيب لهذا المجنون”. رغم الحزن الذي أشعر به لما يحدث داخل عالم صناعة السينما، فأنا أتعايش مع الواقع الذي أصبح كلّ الناس فيه مهتمين بالأوسكار قبل كلّ شيء ويستعدّون للحفلة الختامية قبل شهور وذلك بسبب تغوّل الفيلم الأمريكي في جميع دول العالم والشّرق الأوسط خصوصا. الكلّ يعتريه التلهّف وكلّ منهم يأمل أن يحصل فيلمه المفضّل على جائزة الأوسكار، لكن الحفل ينتهي دائما بخيبات أمل كثيرة مع كثيرين يتوعّدون ويقسمون أن لا يشاهدوا حفل توزيع جوائز الأوسكار القادم.. لكن هيهات !
لا أحد يستطيع إنكار الجرائم التي ارتكبتها أكاديميّة الفنون في حقّ الأفلام العظيمة والتي أثبت التاريخ خلودها اليوم مقارنة بالأفلام التي ذهبت إليها الجائزة. تجاهل الأوسكار أفلام البريطاني العظيم كريستوفر نولان. ترشّح العظيم ال باتشينو للأوسكار أكثر من 15 مرة وحصل عليه في دور الجنرال فرانك سليد في فيلم “عطر امرأة”، والذي يُعتبر أقلّ آداء قدّمه ال باتشينو مقارنة بأفلامه الأخرى مثل “طريق كارليتو”، “العراب”، “الوجه ذو الندبة”، “العدالة للجميع” و”سربيكو” وغيرها من الأفلام. حتى حصول دي كابريو على الأوسكار في فيلم “العائد” يُعدّ جريمة في حقّه حسب رأيي. شاهدوا أفلامه السابقة وستدركون هذه الحقيقة. منْحُه الأوسكار كان أقرب لتعويض له على الظلم الذي عاناه سابقا من الأكاديمية.
تجاهل الأوسكار أيضا الأفلام الفرنسيّة. فالفيلم الفرنسي الوحيد الذي حاز على الأوسكار كان “الحياة بلون وردي” وهو يتناول قصّة حياة المطربة الفرنسية العظيمة Edith Piaf والذي يحمل اسم اغنيتها الشهيرة La Vie en Rose. يبدو الأمر وكأنّ الحصول على أوسكار أفضل ممثّل بكلّ سهولة يستوجب أن يقوم الممثّل بدور إنسان يعاني من إعاقة وهذا ما أثبته تاريخ الأكاديمبة. “أجرمت” الأكاديمية في حقّ أفلام كثيرة يحتاج الخوض فيها لأكثر من مقال.
مهرجان كان “Festival de Cannes” الذي يقام في مدينة كان الفرنسية ذو مكانة عظيمة عند محبي الأفلام البسيطة فهو منقذها، ولو أنّ علاقة فرنسا بالسينما أقدم بكثير من كان. فإذا تكلّمت أجهزة العرض السينمائية لقالت: “فرنسا أمي!” فرنسا هي البلد الذي أنار حياتنا بالسينما. فأوّل صورة فوتوغرافية ثابتة في التاريخ كانت في فرنسا، وقد التقطها العالم الفرنسي الكيميائي نيسيفور نييبس في سنة 1826 عندما قام بتصوير أسطح باريس من نافذة معمله. وفي عام 1895، تمكّن اﻷخوان لوميير من تحريك بعض الصّور الثابتة عن طريق اختراع جهاز العرض السينمائي والثقوب المسنّنة على شريط الفيلم للتّحكم فيه داخل جهاز العرض. وقاما بعرض أوّل أفلامهما في صالة جراند كافيه في باريس.
من الطّبيعي أن يهتمّ بلد مثل فرنسا بتقدير الأفلام الهادفة البسيطة. والبساطة في الأفلام لا تعني أن يحتوي الفيلم على كثير من الأخطاء الإخراجية، أو قفزات في السيناريو أو تصوير رديء بل علي العكس تماما فالبساطة تعني هنا الواقعيّة وأن يكون الفيلم مريحا للرّوح البشريّة ويستطيع اختراقها بدون أن يتسبّب لها في إزعاج، كالحمام حين يهبط فوق أسطح الكنيسة. العديد من الأفلام تؤكّد ذلك مثل The Shawshank Redemption الذي ترشّح لسبع جوائز أوسكار ولم يفز بأيّ منها على الرغم من أسلوب إخراجه العبقري وروحانيّة السيناريو والحوار وسحر التصوير والاضاءة. ثلاثيّة ريتشارد لينكلاتر التي بدأها عام 1995 “قبل الشروق” ثمّ “قبل منتصف الليل” 2013 و”قبل الغروب” 2014، أراها من أعظم الأفلام الرومانسية الواقعية البسيطة من بطولة جولي دلبي وايثان هوك. وأفلام أخرى كثيرة تعتمد على التّصوير الواقعيّ وليس التصوير داخل الأستوديو والاعتماد على الكروما لإضافة الخدع والمؤثّرات باستخدام برامج الجرافيك بعد تفريغ الخلفية. في الآونة الأخيرة، زادت جرائم الأوسكار حين أصبحت الأكاديمية تنبهر بهذه النوعية من الأفلام وزادت نظرتها السياسية للأفلام.
مهرجان كان هو “الكوبري” الأضخم الذي يستطيع تحمّل كلّ أفلام العالم لاختيار الأفضل منها للتنافس على السّعفة الذهبية، لكن ليس هذا فقط. فالمهرجان لا يقتصر على الأفلام الطويلة فقط بل القصيرة أيضا. بالإضافة لتوفير عدد كبير من “السينمات” حتى يتمكّن صنّاع الأفلام من عرض أفلامهم مقابل مبلغ مادّي مما يؤدّي إلى شهرة هذه الأفلام بسبب عرضها في المهرجان وإعطائها صبغة العالمية.
تمّ اختيار الفيلم المصري “شباب امرأة” للمخرج صلاح أبو سيف للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان. اهتمّ المهرجان أيضا بأفلام المخرج المصري العالمي يوسف شاهين ومنحه “جائزة الانجاز العام” عن فيلم المصير عام 1998. وقد حصل الفيلم اليوناني “جراد البحر” للمخرج اليوناني يورجوس لانتيموس على جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان 2015. حصل الفيلم اللبناني القصير “الموجات” للمخرج ايلي داغر على جائزة السعفة الذهبية. كمت اهتم المهرجان بأفلام الروسي تاركوفسكي ومنحه جوائز في كان برغم حظر أفلامه في تلك الفترة.
في الختام، تجدر الملاحظة أنّ مهرجان كان لا يهتمّ بالأفلام التي حصلت على الأوسكار كثيرا. تفسير ذلك تعلمه إدارة كان فقط وربّما أنتم!
اضف تعليق