معارك جبل الرادار:
سُمّي جبل الرادار بهذا الاسم لأن الجيش البريطاني أقام فيه موقعا للرادار. يقع الجبل على طريق القدس ـ تل أبيب بجوار مستعمرة “معاليه ميشاه”. نظريا كان من يحتل هذا الجبل، يُسيطر سيطرة تامّة على طريق القدس ـ تل أبيب. وفي ليلة 28/4/1948 شنّ الصهاينة هجوما واسعا على مرتفعات شمال القدس، ومن ضمنها جبل الرادار، فقاموا باحتلاله، إضافة إلى احتلال قريتي بيت أكسا وبيت سوريك، إلى مشارف قرية بدو. وكادت تسيطر على مقام النبي صمويل. وهنا هبّ المناضلون من بدو القرى المجاورة للتّصدي بعنف للقوة المهاجمة، واستمرّت المعركة طوال الليل، واشترك في المعركة فوج اليرموك الثالث التابع لجيش الإنقاذ بقيادة عبد الحميد الراوي، وشنّ الراوي هجوما معاكسا على المواقع التي احتلّها الصهاينة فأجبرهم على التراجع بعد أن تكبّدوا خسارة بـ 185 قتيلا. استولى فوج اليرموك على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، واستردّ العرب سيطرتهم على الطريق الرئيس ومنعوا التّحركات الصهيونية عليها. وفي شهر 5/1948 عاود الصهاينة الكرة بمرافقة الطيران لكل الهجوم أخفق مجدّدا.
معركة رأس العين:
رأس العين، قرية إلى الشمال من القدس على بعد 60كم منها، تميّزت بعذوبة مياهها. تمركز فيها 500 جندي من جيش الإنقاذ في 8/3/1948، وطردوا الموظفين الصهاينة من مؤسسة المياه واستبدلوهم بموظفين عرب. عندما سقطت دير ياسين والقسطل بيد الصهاينة أوائل نيسان 1948، قرّر المناضلون نسف الأنابيب التي توصِل مياه رأس العين إلى الأحياء اليهودية في القدس. ودمروها عند باب الواد مما نتج عنه تضرّر الأحياء اليهودية ودوائر الحكومة وقوّات الجيش البريطاني في القدس. وأخذت الهيئات الصهيونية توزّع الماء على السكان اليهود من الآبار والصهاريج. بعد سقوط يافا في 17/5/1948، دمّر العرب الأنابيب في 4 مواضع أخرى كي لا يصل إليها الصهاينة ويستولوا عليها، لكنّ محاولات الصهاينة استمرت للاستيلاء على رأس العين، ودارت حولها معارك عنيفة كان أشدّها تلك التي وقعت في آخر ثلاثة أيام من أيار .
تمكن الصهاينة يوم 30/ أيار من الاستيلاء على رأس العين، ولكن في صباح 31/5 هبّ المناضلون من القرى المجاورة لرأس العين لنجدة الشيخ حسن سلامة قائد القطاع الأوسط، فشنوا هجوما مضادا كاسحا على مراكز العدو في رأس العين، وأصيب الشيخ حسن سلامة وظلّ رجاله يقاتلون حتى طردوا الصهاينة من رأس العين بعد ساعات فقط على احتلالها. أعاد الصهاينة تنظيم قواتهم بهجوم مضاد ففشل الهجوم وعادوا أدراجهم، وفي يوم 1/6/1948 استلمت قوة عراقية الموقع فتراجع الصهاينة دون أن يشتبكوا معها. ظلت راس العين بيد العراقيين حتى سقوط اللد والرملة فانسحبت هذه القوات من مواقعها على إثر هذا السقوط.
معركة بيت داراس:
تقع بيت داراس على طريق تربط مجموعة من المستعمرات، لذا فقد كانت تتعرّض للكثير من الهجمات، مثل هجوم 16/3/1948، 13/4/1948… الخ. في 1/5/1948 وصلت قوة من المستعمرات المجاورة للقرية وبدأت بقصفها من الخارج تمهيدا لمهاجمتها، ثم تحرّكت القوّة فاحتلّت مدرسة القرية فيما كانت قذائف الهاون تقصف شرقي القرية. انسحبت الموجة الأولى من الهجوم لاستبسال المدافعين عن القرية، ولكن بعد أن تكبّدت القوة المهاجمة بعض الخسائر، ووصلت نجدات من القرى المجاورة إلى بيت داراس وحاول المناضلون مطاردة المعتدين الهاربين الذين استنجدوا بالجيش البريطاني، جاءت 3 مصفّحات ومنعت العرب من مطاردة الفارين.
بعد 3 أسابيع هاجم الصهاينة القرية مرة أخرى في 21/5/1948 من جهاتها الأربع. بدأت القوى المهاجمة بقصف القرية، فشعر المناضلون بحرج الموقف فقرروا الصمود وإخلاء القرية من النساء والشيوخ والأطفال، وتحرّك هؤلاء عبر جنوب القرية وما أن بلغوا مشارفها حتى تصدّى لهم الصهاينة بالرصاص، ليضيفوا مذبحة جديدة إلى قائمتهم. قام الصهاينة بإحراق بيادر القرية وبعض منازلها ونسفوا البعض الآخر، ورغم ذلك فقد استبسل المدافعون عن القرية حتى نجحوا في رد المعتدين وإخراجهم من بيت داراس. أثّرت المذبحة على المعنويات، ونفاذ الذخيرة كذلك، فبدأ الناس يغادرون القرية ما عدا القليل منهم، ورغم ذلك لم يدخل الصهاينة القرية إلا بعد أن تأكدوا من عدم وجود مقاومة وكان ذلك يوم 5/6/1948.
معركة الزرّاعة:
طلب فوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ من المقدم محمد صفا “السوري” أن يقوم بالهجوم على إحدى المستعمرات في المنطقة الوسطى لتغطية عبور قوات أخرى من جيش الإنقاذ تحمل معدات ثقيلة. اختار محمد صفا مستعمرة الزرّاعة جنوب شرق بيسان، ويطلق عليها الصهاينة مستوطنة “طيرة تسفي” التي تكمن أهميّتها في وجود محطة لتوليد الكهرباء داخلها وآلات ضخ المياه وبرك لتربية الأسماك. وكانت محصنة تحصينا جيّدا، فعدا عن الخناق والأبراج التي أقيمت فيها، أحيطت بالأسلاك الشائكة وتم تجهيز برك تربية الأسماك لتطلق مياهها في خنادق مجهّزة لذلك بغرض الدفاع عن المستوطنة.
كان غور بيسان قد تحوّل إلى ما يشبه المستنفع بعد شهر من الأمطار المستمرة، فانتهز محمد صفا تحسّن الجو ليلة 16-17/2/1948 لتنفيذ العملية، وكانت الخطة تقضي بالتظاهر بالهجوم على مستوطنتين متجاورتين لتغطية العملية الأساسية. بدأ الهجوم عند منتصف الليل، وكان مفاجأة للصهاينة، وبعد البدء بقليل عاد المطر ليتساقط بشدة، فقطع المجاهدون الأسلاك وتراجع الصهاينة، وفي الفجر حاول المغاوير تفجير برج المراقبة ولم يفلحوا بسبب المطر، ولكن المشاة تقدموا ودمروا بعض بيوت المستوطنة تحت غطاء المدفعية، ففتحت عليهم البرك وغمرت الخنادق فلم يستطع المناضلون التقدم، ورغم ذلك اشتبكوا في قتال عنيف مع مواقع العدو، وازدادت فيهم الإصابات بعد وصول نجدات صهيونية، خصوصا وهم يغوصون في الوحل إلى الركبة. أصدر القائد أمرا بالانسحاب، فانسحبت فوج اليرموك بعد أن خسر 37 شهيدا وعددا من الجرحى، أما الصّهاينة فقُتل منهم 112. ولم تحقق هذه المعركة الهدف منها.
معارك سلمة:
سلمة قرية محاطة بالمستعمرات الصهيونية، تقع على طريق يافا ـ اللد التي كانت تسلكها القوات البريطانية من وإلى معسكر ليتفنسكي. منذ 1/12/1947 والصهاينة يتحرّشون بأهالي سلمة، حيث اعتدى سكّان هتيكفا على مُزارع عربي فما كان من شبّان سلمة إلّا الردّ بقتل اثنين من الصهاينة في نفس اليوم والمكان. وتحسّبا لأيّ طارئ، انتخب أهالي سلمة لجنة من 7 أعضاء كانت مهمّتها تنظيم شؤون الدفاع وأمور الحراسة على أطراف القرية. وقام سكّان سلمة بجمع السلاح والذخيرة من القرى المجاورة، ولهذا السبب لم يحاول الصهاينة مهاجمة القرية لعلمهم باستعداد القرية الجيد، ولكن بدلا من الهجوم المباشر بدأوا بقصفها يوميا، لكن سكان سلمة رفضوا مغادرتها، بل أخذوا يردّون على النيران بالمثل.
في يوم 18/12/1947، ارتكب الصهاينة مجزرة في قرية يازور المجاورة، لكنهم كانوا يرتدون زي الجيش البريطاني، فخشي سكان سلمة أن يتكرر الأمر معهم. وطلبوا من اللواء تدخله لمنع وحدات الجيش البريطاني من المرور في قريتهم، فادّعى عدم قدرته على فرض رأيه على الجيش. وبعد يومين مرت سيارة نقل بريطانية فهاجمها المناضلون وأحرقوها وجرحوا سائقها واستولوا على سلاحه، فغضب القائد العسكري البريطاني وتوجه بقوة كبيرة إلى القرية مطالبا بإعادة بندقية السائق ودفع تعويض عن جرح السائق وحرق الشاحنة قدرة بخمسة آلاف جنيه، ولما رفض الأهالي الاستجابة اعتقل بعض الأهالي وفيهم لجنة الدفاع، وبعد مفاوضات طويلة وافقت السلطات العسكرية على قطع طريق يافا وإطلاق سراح المعتقلين، وقامت السلطات العسكرية بزرع أعمدة أسمنتية حول القرية بحجة ضمان قطع الطريق، وهي في الواقع لمنع أي إمدادات قد تصل إليها من القرى المجاورة.
شنّ الصّهاينة هجوما قويّا بمجرّد مغادرة البريطانيين، فتصدّى لهم الأهالي وكبّدوهم خسائر فادحة، فأُجبروا على التراجع، لكن المفاجأة كانت أنّ هناك هجوما آخر من شمالي القرية، استطاع مناضلو صدّه. وقاموا في الليلة نفسها بهجوم معاكس على مستوطنة هيتكفا وأشعلوا النار في بعض المنازل، ففرّ سكان المستوطنة تاركين 26 طفلا وراءهم سلمهم المجاهدون للسلطات البريطانية. جاءت قوات جديدة لنجدة هتيكفا، ووصل مناضلون من اللد والعباسية لنجدة سلمة، فطاردوا الصهاينة حتى مشارف تل أبيب وأحرقوا بعض منازل مستعمرة “شابيرو”، فتدخلت السلطات البريطانية وأجبرت المناضلين على التراجع بعد طلب من رئيس بلدية تل أبيب، وأحاطت القوات البريطانية بسلمة من كل جانب بدعوى الفصل بينها وبين المستعمرات المجاورة. فاستغل الصهاينة الظرف لتحصين مستعمراتهم، ولما انتهوا من التحصين انسحبت القوات البريطانية. تمكّن سكان سلمة من الصمود حتى أواسط نيسان 1948، وظلوا يقاومون حتى نفذت منهم الذخيرة، ووصلهم خبر سقوط يافا 28/4/1948 فبدأوا في مغادرة القرية، ولم يجرؤ الصهاينة على دخول القرية إلا بعد أيام من هجرة أهاليها.
-يتبع-
اضف تعليق