تعبير النكبة يطلق على التطهير العرقي الذي قامت به إسرائيل عبر الذراع العسكري آنذاك للصهيونية والمتمثل في أراغون وشتيرن والهاغاناة بتوجيهات مباشرة من ديفيد بن غوريون الزعيم الصهيوني، وكانت نتيجة هذا التطهير ترحيل نصف السكان الفلسطينيين عن قراهم إلى أماكن اللجوء المختلفة، وقد خضع لهذا التطهير 418 قرية من شمال فلسطين إلى جنوبها، أدت إلى سيطرة إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين، لتقوم بعد ذلك باحتلال البقية الباقية عام 1967.
الحرب الأولى التي دارت بين الجيوش العربية الخمسة التابعة لمصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان من جهة والقوات الصهيونية من جهة عرفت بحرب 1948، بعد أن اتخذت الجامعة العربية في 16/9/1947 قرارا بتقديم أقصى ما يمكن من الدعم العاجل لأهل فلسطين في حال إقرار التقسيم من خلال جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس للدفاع عن فلسطين ضد الجيش الصهيوني، ويذكر إيلان بابه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” أن عدد جنود الجيش الصهيوني اقترب من ثمانين ألفاً بينما بلغ عدد الجيوش العربية الخمسة مع المتطوعين الفلسطينيين أقل من خمسين ألفاً، مما يدحض رواية إسرائيل من أساسها التي قامت على مبدأ: حرب الأقلية ضد الأغلبية. بالطّبع هذا من ناحية العدد عدا عن فارق التدريب ونوعية الأسلحة.
أعلن بن غوريون يوم 14/5/1948 قيام دولة إسرائيل وشكل حكومة مؤقتة لها، واعترفت بها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على الفور، وانسحبت القوات البريطانية يوم 15/5/1948 مخلفة وراءها عتادها وأسلحتها، وكانت الهاغاناه قد أكملت استعداداتها للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من فلسطين، ورمزت لخطتها برمز “دالت”، وأعلنت التعبئة العامة بين القوات الصهيونية منذ مطلع نيسان 1948. وفي الحقيقة أن عملية التطهير كانت قد بدأت في ديسمبر 1947، لكنها أخذت وتيرة أشد بعد انسحاب البريطانيين، وخلال شهر ونصف تمكنت القوات الصهيونية من السيطرة على الجزء المخصص لإسرائيل حسب قرار التقسيم وأجزاء خارج القسمة أيضاً، وأصبحت جاهزة لمواجهة أي هجوم عربي محتمل.
دخلت الجيوش العربية على فلسطين، ولكن أقل بكثير مما كان متوقعاً وبدون خطة واضحة، وقد أجمع رؤساء أركان الجيوش في ذلك الوقت على أن جيوشهم غير جاهزة لخوض حرب. ولم يقتصر الأمر على غموض المهام بل تعداه إلى تغيير المهام في الساعات الأخيرة، ورغم النواقص التي عانتها إلا أنها حققت نجاحات في الأيام الأولى لدخولها مما دعا أمريكا لأن تطلب من مجلس الأمن إصدار قرار لوقف إطلاق النار، وسرعان ما توقف اندفاع الجيوش العربية وجاءت الهدنة الأولى لتغير الأوضاع وتقلب الموازين. انتهي الأمر بعقد اتفاقات هدنة دائمة فردية فيما عرف باتفاقيات رودس، وكانت هذه نهاية الحرب في تلك الفترة. تمت الاتفاقية برعاية الأمم المتحدة في جزيرة رودس في شباط 1949.
في الفترة الواقعة بين ديسمبر 1947 وشباط 1949، جرت عدة معارك بين القوات الصهيونية والفلسطينيين سواء منفردين أو بمشاركة العرب، نأتي على ذكر بعض هذه المعارك:
معركة رامات هكوفيش:
هي آخر معارك الجيش العراقي قبل انسحابه من فلسطين، وقد خاضها بمشاركة فلسطينيي قلقيلية والطيرة، احتل لواء جفعاتي الإسرائيلي في 2/1/1949 قرية الطيرة من الشمال، وقامت قوة أخرى إسرائيلية باحتلال التلال الثلاثة شرق رامات هكوفتش، وفي 7/1/1949 استطاعت كتيبة عراقية من استعادة جميع الأماكن التي احتلها العدو، فحاول قائد لواء جفعاتي استرداد هذا الموقع لكن العراقيين أنزلوا به خسائر فادحة أجبرته على الانسحاب. ولم تنسحب القوات العراقية إلا بعد توقيع اتفاقية الهدنة الدائمة بين الأردن وإسرائيل في نيسان 1949.
معركة جدين:
بتاريخ 22/1/1948، طُلب من أديب الشيشكلي قائد فوج اليرموك الأول مهاجمة مستعمرة صهيونية في الخليل للتغطية على عبور فوج اليرموك الثاني لنهر الأردن، تم الهجوم وقاتل الصهاينة بعناد دفاعاً عن المستوطنة، لكن المهاجمين استطاعوا احتلال المراكز الأمامية، ولم تنجح قوافل الإمداد الصهيونية في فك الحصار عن المستوطنة، إلى أن وصلت قوة بريطانية لنجدتهم يوم 23/1/1948 فتراجعت قوات اليرموك بناء على التعليمات. تجنبا للصدام مع البريطانيين، كانت خسائر فوج اليرموك 18 شهيداً هم أول شهداء جيش الإنقاذ.
معارك باب الواد:
قامت القوات العربية بتخريب طريق باب الواد وإتلاف أنابيب المياه التي توصل الماء للأحياء اليهودية، ثم أخذوا يتصدون للقوافل اليهودية المحروسة التي تمر كل أسبوع بباب الواد، ومع اشتداد وطأة الهجمات استنجد يهود القدس بسلطات الانتداب التي وضعت قوة بريطانية من 200 جندي لحماية القوافل الصهيونية. حاولت القوات الصهيونية ليلة 31/3، احتلال التلال المشرفة على باب الواد، لكن العرب اشتبكوا مع القافلة قرب مستعمرة خلدة مما خلف قتلي كثيرين في الجانبين، ولكن الأهم أن العرب استطاعوا دحر الصهاينة وإعادتهم إلى خلدة وغنموا بعض السيارات. وفي 16 نيسان هاجم العرب بقيادة أحمد زونا والشيخ هارون بن جازي قافلة من 250 سيارة عسكرية عند دير أيوب، استمرت المعركة حتى الساعة الرابعة عصرا وانتهت بتدمير 60 سيارة والاستيلاء على 15 سيارة أخرى وكمية من الأسلحة. ويوم 10 أيار حدثت معركة كبيرة أيضاً يوم 13 أيار بمقتل 300 صهيوني، وتمسك العرب بالموقع حتى تسلّم الجيش الأردني الموقع في15/5/1948.
معركة بيت سوريك:
تلقى عبد القادر الحسيني معلومات تفيد أن الصهاينة سيرسلون إلى القدس قافلة من السيارات تحمل التموين يوم 19/1/1948، انقض عليها المهاجمون العرب من كل الجهات، وقاموا بتفجير الألغام تحت العربات، فأخذ الصهاينة يتركون العربات ويفرون باتجاه مستعمرة الخمس، فانتهت المعركة بتدمير القافلة وقتل عدد كبير من الصهاينة والإنجليز وفرار الأحياء منهم. غنم العرب كمية كبيرة من الذخيرة والبنادق والرشاشات.
معركة بئر السبع:
بدأت المعركة بقصف جوي بدأ يوم 18/10 إلى يوم 21/10، نجم عنه تدمير عشرة منازل وقتل 7 أشخاص عدا عن الذعر الذي خلفه في المدينة. ويوم 20/10/1948، مهدت المدفعية للهجوم البري من الشمال والشمال الغربي لتدخلها يوم 21/10/1948 وتقضي على ما تبقي من مقاومة داخلها لتسيطر عليها تماماً.
معركة بيسان:
بدأ الهجوم على بيسان فجر 12/5/1948، ولم يكن في حامية بيسان غير 175 رجلاً أردنيين وفلسطينيين، ومع تمكنهم من صد الهجوم الأول كثف الصهاينة من الهجوم الثاني فدخلوا البلدة وقاموا بجمع أسلحة المناضلين. ابلغ قائد الهجوم السكان بأن بإمكانهم البقاء في منازلهم على ألا يبدوا أي مقاومة، فبقي سكانها جمعياً، وبعد شهر طلب من الجميع مغادرة البلدة فنزح بعض السكان عنها، أما من أصر على البقاء فقد أخلته السلطات الصهيونية في عربات بقوة السلاح إلى الحدود السورية.
-يتبع-
- ملاحظة: السّلسلة جزء من دراسة بعنوان “المعارك والثورات في فلسطين” للكاتب
[…] اقرأ ماذا نعرف عن النكبة -1- […]
[…] اقرأ ماذا نعرف عن النكبة -1- […]