فى مشهد من الفيلم الأمريكي JACK RICHARD كان البطل _توم كروز_ يهرب من الشرطة فى سيارة، وبطريقة ما جعل السيارة تستمر فى السير فى حين خرج هو منها، وانضم لبعض الأشخاص الواقفين فى محطة انتظار الأوتوبيس. ثمّ ظهرت سيارات الشرطة تطارد السيارة الفارغة التى تركها البطل. وحينها أدرك الواقفون فى محطة الإنتظار أن توم كروز هارب من الشرطة. وبدون سابق معرفة بينهم، وبدون أن يتفوّه أحد منهم بكلمة أعطاه رجل قبّعته ليدراي بها وجهه، ووقف أخر أمامه ليخفيه عن عيون الشرطة.
—
فى السّيرة الذاتية لـ أحمد فؤاد نجم “الفاجومى”، يقول نجم ما معناه أنّه ما كان الناس يعتقدون أو يؤمنون أنّ القوانين قد وضعت لخدمة مصالح الأقوياء، فإنّهم يعتبرون كل خارج عن القانون بطلا شعبيا.
—
في كلّ يوم تطالعنا ولو كلمات عن الأفلام التي تُنشر على الإنترنت وهي لاتزال فى دور العرض، والكتب التى تظهر على هيئة ملفات pdf بمجرّد ظهورها فى الأسواق وتباع منها نسخ تُطبع فى مطابع خارج دار النشر المسؤولة عن نشر الكتاب دون إذن منها أو من الكاتب بأسعار أقل. ويحتدّ النقاش بين من يتحدّثون عن حقوق الملكية الفكرية، وحق الكاتب أو صانع الفيلم في الانتفاع بما أنتجه، ومدى حرمانية ذلك باعتباره سرقة، وبين من يتحدّثون عن حقّ المعرفة، وحقّ إتاحة المعلومات، واستغلال دور الّنشر، والرأسمالية، والبرجوازية، وغير ذلك. كما يعاني دارسو الصحافة من المفاهيم الجديدة مثل صحافة المواطن، و”الميديا الشعبية” التى ظهرت لتقف فى وجه أو لمجابهة الإعلام التقليدي، والمؤسّسات الإعلامية العملاقة _سواء كانت حكومية أو خاّصة_ وتحكّمها فى ما يعرفه الناس، وكيفية معرفتهم به.
—
يصف صديقي الأمر بأنّه حركة تمرّد وانتفاض غير متّفق عليها حول العالم ضدّ السلطة _أيّ سلطة_ ويتحدث عن الأناركية. إنّ الأمر أشبه بحركة تمرّد فعلا. العالم يتقدّم، التكنولوجيات تتطوّر، والحديث عن العولمة أصبح مألوفا. كان من شأن كلّ ذلك أن يجعلنا نشعر بأن حياتنا أكثر سلاسة وسهولة، ولكن العكس هو ما حدث. أصبحنا نشعر بأنّنا حقّا تروس صغيرة جدا فى آلة ضخمة. لا نستطيع التوقف والتقاط الأنفاس لأنها تجبرنا على الدوران طوال الوقت. أصبح السفر مثلا شيئا صعبا رغم سهولة المواصلات، يحتاج إلى تأشيرات وتصاريح ومال، ووقت وطاقة تستنفذ أمام الجهات الرسمية المسؤولة عن الأمر. وباتت كل خطوة في حياتنا تتطلب إجراءات وتدقيقا وتفتيشا وكأننا جميعا متّهمون حتى تثبت براءتنا. إنّ هذه التكنولوجيات التى أتاحت لنا معرفة، ورؤية الأحداث بمجرّد وقوعها في أيّ مكان في العالم، جعلتنا أيضا نشّك في كلّ ما نراه؛ لأنّها تستطيع تزييف الحقائق وطمسها واجتزاءها بنفس السهولة والسرعة التي تنقلها بها.
يتزايد الحديث عن حروب بأشكال جديدة. حروب لم يعد يستخدم فيها الجيش النّظامي والأسلحة، بل وسائل الإعلام والثقافة ووسائل الاتصال، وتوجيه الأفكار والاهتمامات نحو وجهات معينة. ويساعد على ذلك كثرة الأحداث فى عالم اليوم وتلاحقها. فلم نعد نعرف أيّ حدث هو الأصلي، وأيّها المستخدم للتغطية وصرف الانتباه. وكأننا جميعا نتعرض لعملية تضليل وخداع كبيرة، ولا نعرف لصالح من. ثمّة بوّابات أمنيّة وكاشفات معادن وكاميرات مراقبة في كلّ مكان، ونحن نعرف ونحن جالسون أمام أجهزة الكمبيوتر في منازلنا نتابع العالم ونراه ونتواصل معه، أنّنا مراقبون ومرصودون وكأنّنا كائنات صغيرة موضوعة تجت مجهر عملاق يرصد كل حركة وفعل من أفعالنا، ويعدّ علينا أنفاسنا. لا أقصد بذلك أجهزة الدّولة فذلك أمر يسير، بل تلك الأقمار الصناعية، والتكنولوجيات التي لم تعد تترك أحدا قادرا أن يكون وحده، أو يكون متخفيّا عن الأنظار.
لقد أصبح العالم مليئا بالقيود ومشوّشا بدرجة كبيرة على عكس ما يحاولون تصديره لنا من أنّنا الآن فى أكثر العصور حرّية ويسرا وسعادة. ونحن نشعر بهذه القيود، وباللّهاث في دوائر مفرغة لا فكاك منها. أصبحت الشعوب الآن تتحسّس من أي شكل من أشكال السلطة مهما صغر أو كبر، فنحاول التّمرّد على كلّ شكل لها، وكلّ محاولة للتحكم فينا مهما صغرت _حتّى وإن كانت وجوب ذهابنا للسينما لمشاهدة فيلم ما، أو دفع مبلغ معيّن لقراءة كتاب، وغير ذلك_ يحاول الناس الآن فعل شيء ما، خلق حركة، إيجاد فوضى في هذا النظام التكنولوجي الضخم، وهذه الآلة الرتيبة، لكي نثبت أنّنا أحرار حقا، وقادرون على التّحرك، ولدينا الحق فى الحرية والاختيار.
اضف تعليق