“من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحّات سومري، أو بابلي، أو آشوري، أو عبّاسي، كان يُحبّ بلده.”
احتفى محرك البحث جوجل أمس بذكرى ميلاد النحات العراقي محمد غني حكمت الذي ولد في الكاظمية، بغداد سنة 1929 في عائلة لم يكن أحد من أفرادها مهتمّا بالنحت أو أيّ من الفنون الأخرى، بل إنّ النحت كان يعتبر في بيئته المحافظة نوعا من المحرّمات. ورغم ذلك فإنّ طفولته على نهر دجلة قد أثّرت بشكل أو بآخر على اختياره لمهنته لاحقا. فقد كان يلهو على ضفّة النهر بالطين ويصنع منه أشكالا مختلفة. كما أنّ طبيعة المعمار في مدينة الكاظمية المعروفة بالقباب والزخارف التي تزيّن الأضرحة المنتشرة فيها قد تركت أثرا فيه.
الدراسة والنشاط
محمد غني حكمت:
- درس النّحت في معهد الفنون الجميلة في العراق وتخرّج منه سنة 1953
- حصل على ديبلوم النحت من أكاديمية الفنون الجميلة بروما سنة 1955
- حصل على ديبلوم الميداليات من مدرسة الزكا في روما، سنة 1957
- حصل على شِهادة الاختصاص في صبّ البرونز في فلورنسا، سنة 1961
- من الأعضاء المؤسّسين لجماعة الزاوية وتجمّع البُعد الواحد
- عضو في جماعة بغداد للفن الحديث
- أقام عدّة معارض شخصيّة في روما، بيروت وبغداد.
- حصل على جائزة أفضل نحّات على مستوى العالم من مؤسسة كولبنكيان، سنة 1964
أعماله
حين تطّلع على أعمال محمد غني حكمت ستلاحظ حضورا طاغيا للأساطير والحكايات القديمة خاصّة في التماثيل والنصب والجداريات التي صمّمها وأنجزها في بغداد. يبدو أنّ عالم ألف ليلة وليلة السّاحر قد سكن النّحات حتّى أنّه قد نحت تمثالا لشهرزاد وشهريار وآخر لكهرمانة وثالثا لمصباح علاء الدين السحري. كما نحت تماثيل لآلهة وشخصيات بصمت تاريخ العراق مثل عشتار آلهة الخصب في فندق عشتار شيراتون وهو أحد أهم الفنادق في بغداد، إضافة لحمورابي الملك البابلي الشهير بمسلّته والشاعر العربي المعروف أبو الطيب المتنبي.
يبقى نصب الحرية في بغداد من أعظم الأعمال التي شارك فيها محمد غني حكمت. فهذا العمل الفني من تصميم النّحات العراقي المعروف جواد سليم، وهو أستاذ غني حكمت، يجسّد مسيرة الشعب العراقي من زمن الاحتلال البريطاني مرورا بالعهد الملكي ثمّ النظام الجمهوري. وحين توفّي جواد واصل تلميذه العمل. هذا لاعمل الفني يطالعنا اليوم في ساحة التحرير في بغداد حيث تقام الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بالتغيير في العراق.
عمل آخر يستحقّ الوقوف عنده، ولو أنّ أعمال حكمت الفنّية كلّها ملفتة ومميّزة، هو نصب “إنقاذ العراق”. يمثّل هذا النصب الختم السومري الإسطواني في وضع مائل مستندا إلى سواعد عدّة بارتفاع ستّة أمتار. وهو يرمز إلى صمود العراقيين في مواجهة كلّ التّحديّات التي مرّت بها بلادهم وصلابة سواعدهم وإرادتهم للحفاظ عليه، رغم كلّ المحن.
للنحات العراقي أعمال خارج العراق منها إحدى بوّابات منظمة اليونيسيف في باريس وثلاث بوابات خشبية لِكنيسة تيستا دي ليبرا في روما لِيكون بذلك أوّل نحّات عربي مسلم ينحت أبواب كنائس في العالم. جدارية الثورة العربية الكبرى في عمّان من إنجازه أيضا بالإضافة لمجموعة أعمال مختلفة في البحرين تَضمن خمسة أبواب لمسجد قديم وتماثيل كبيرة ونوافير.
توفي محمد غني حكمت في الأردن سنة 2011، سنوات بعد الاجتياح الأمريكي للعراق. توفّي خارج بلده لأسباب أجهلها، لكنّي شبه أكيدة من جهل الكثير من العرب والعراقيين أيضا بإبداعات هذا الفنان التي تُلمس أصالتها وتجذّرها في تاريخ وحضارة العراق التي تعتبر رغم كلّ ما حلّ بالبلاد رافدا من روافد الحضارة الإنسانية. يحتفي محرّك البحث جوجل بالنحات العراقي الذي خلّف مجموعة أعمال فنّيّة تجمّل قبح العالم. ومنذ فترة غير بعيدة ضجّت المواقع العربية والغربية بذكر المعمارية العراقية زها حديد حين وفاتها مخلّفة هي أيضا إرثا معماريّا هو بصمة أخرى عراقية تزيّن وجه الحضارة الإنسانية.
اضف تعليق