بدأت الدّوائر الاستعمارية الفرنسية تنفيذ مشروع احتلال المملكة التونسية، فاجتازت قوّاتها الحدود التونسية الجزائرية يوم 24 أفريل 1881. احتلّت جيوشها الكاف يوم 26 أفريل ثمّ طبرقة في نفس اليوم ثمّ بنزرت يوم 1 ماي. في الأثناء، وصلت امدادات من طولون إلى ضواحي تونس. ويوم 12 ماي 1881 فرض الجنرال بريار على محمّد الصّادق باي معاهدة الحماية، وتواصل إثر ذلك التّوغل العسكري على كامل البلاد.
مثّل دخول الجيش الفرنسي للتراب التونسي وفرض معاهدة باردو حدثا مفاجئا وغير متوقعٍ للتونسيين، لكن سرعان ما انطلقت ثورة عارمة في جميع البلاد ونُودي للجهاد، المقاومة المسلحة في تونس. فاتّصل زعماء وقادة القبائل ببعضهم وتعدّدت المجالس وطفر الحماس وقامت الضجّة و انطلقت الصيحات من كلّ مكان:
الثورة، الثورة، الجهاد، الجهاد، إنّ الصّادق باي باع الوطن للرومي، فاحملوا السّلاح في وجهه ووجه أعوانه. واطردوا الرّومي من البلاد.
لاقت الجيوش الفرنسيّة الغازية مقاومة عنيفة في مختلف جهات البلاد خاصة في الوسط و لجنوب. وقد استبسلت المقاومة الشّعبيّة في عدّة معارك منها: معركة خمير، معركة بن بشير، معركة وادي لايا، معركة الحمامات، معركة صفاقس وقابس، معركة وادي الزرقة ومعركة جربة وجرجيس.
معركة خمير:
هي أوّل معارك المقاومة المسلحة في تونس بين الجيوش الفرنسية الغازية وبين التونسيين. عند دخول الجيش الفرنسي لأول مرة لتونس من جهة طبرقة اعترضه سكّان خمير بقيادة محمد الصّالح الأطرش واضطر الغزاة الفرنسيّون لاستخدام المدافع الثقيلة التي رجّحت كفّتهم ولكن رغم الفارق البعيد بين سلاح الجيشين ورغم القتلى والجرحى في صفوف المقاومين إلّا أنّهم لم يتخلّوا عن مواقعهم. لم تهدأ المعركة حتى علم المقاوم القائد محمد الصالح الأطرش الخميري أنّ محلّة فرنسية داهمت باجة فرجع لمعرفة الحقيقة فاعترضه وفد من باجة يتقدّمه القاضي والمفتي والأعيان وطلبوا منه الكفّ عن المقاومة اتّقاء لتخريب البلاد. غاظه أن يصدر هذا الطّلب عن رجال الدّين الذين كان من واجبهم التحريض على الصمود و المقاومة، فرجع لمنزله ولم يخرج منه إلّا إلى قبره.
معركة بن بشير: 30 أفريل 1881
قرية بن بشير هي أوّل قرية تونسية تتصدّى للمستعمر الفرنسي. وسمّيت هذه المعركة بمعركة بن بشير الكبرى وقد شهدت مشاركة مكثّفة للعنصر النّسائي لذلك أطلق عليها اسم: أمّ القرى. وتتمثّل أطوارها في أنّ الجنرال لوجرو أرسل طابورا عسكريا إلى قبيلة أولاد سالم لطمأنة السّكان وحملهم على ملازمة دواويرهم، عند وصولهم إلى بن بشير على الساعة السابعة والنصف صباحا، لاحظ القبطان هيمان بعض الهيجان على يسار محطّة القطار في دواوير الشّياحيّة فتوجّه إليهم لطمأنتهم، فاستقبلوه بالرصاص.
إثر ذلك تقدّمت الكتيبة الثّالثة بقيادة القبطان هرفي محاولة الالتفاف حول أحد المرتفعات حيث كان يحتمي بها حوالي 200 من الشيّاحيّة و عند رأس المنخفض وجدت نفسها وسط تجمّع كبير. لم تستطع صدّهم إلاّ بعد ساعة من الصراع، لكن هذا لم يمنع الشياحيّة من التمركز من جديد. ارتفع عدد المنضمّين للمقاومين فناهز 3000 تونسي، فقرّر هرفي التّموقع حول الواد في انتظار وصول المدد من خيّالة وقنّاصة. وإثر وصولهم على السّاعة الحادية عشرة من نفس اليوم، دارت معركة أخرى بينهم وبين المقاومة انتهت بانسحاب الشيّاحيّة. ورغم مطاردة الخيّالة لهم إلا أنّهم حاولوا إعادة التّمركز من جديد لكنّ قنابل الكتيبة صدّتهم. استشهد في هاته المعركة 150 مقاوما.
معركة تستور:
في أواخر جويلية 1881، أطلق الباي سراح زعيم أولاد عيّار علي بن عمّار ليحاول تهدئة جهته وإخماد نار الثّورة المشتعلة فيها لكن علي بن عمّار وبمجرّد وصوله، أعلن الجهاد ضدّ المحتلين وضدّ الباي المرتدّ وقاد فرسان أولاد عيّار وأولاد عون وأخذ يتحدّى حامية الكاف الفرنسية ويشنّ الغارات هنا وهناك بقيّة أوت وطيلة شهر سبتمبر.
يوم 30 سبتمبر، أغار فرسان علي بن عمّار على محطّة الأرتال بوادي الزرقة فنهبتها و قتلت فيها 9 أوروبيين. إثر ذلك توجّه علي بن عمّار في قوّة من الفرسان والرّجالة إلى بلدة تستور التي تجمّعت فيها قوّة فرنسية تساعدها فرقة من جنود الباي واندلعت معركة رهيبة استعملت فيها المدفعيّة والبنادق والسّلاح الأبيض. وطبعا خسر المجاهدون عددا من الشّهداء، حصدتهم المدفعية وقُطعت يد الزّعيم علي بن عمّار وبقيت معلّقة ببدنه فقطعها بنفسه. لم تقف النّكبة بعلي بن عمار دون مواصلة الجهاد فجمع أنصاره من جديد وحاصر مدينة الكاف وكان يشن الغارات على أطرافها.
-يتبع-
المصادر:
المقاومة المسلحة في تونس ـ الجزء الأول ـ 1881 ـ 1939، عدنان منصر وعميرة علية الصغير
صراع مع الحماية، محمد المرزوقي
اضف تعليق