منذ عشرة دقائق تحديدا، كنت على النت. أجبت على كلّ الـرّسائل وقمت بتحديث صفحة استقبال فيسبوك واطّلعت على المنشورات الجديدة، لكنّك عدت وفتحت الانترنيت لترى ما الجديد وكأنّ تغييرات ستطرأ في ظرف 10 دقائق! هذا الأمر يحصل معنا ومع أصدقاءنا وكثيرين من حولنا، نجدهم كلّ حين يخرجون هواتفهم الجوالة ليتابعوا آخر الأخبار. وبعد أن ينتهوا ويأخذوا جرعتهم من الأحداث، يعيدون الجوّال للجيب أو الحقيبة بدون تفسير منطقيّ أو سبب مقنع، لكن لماذا؟
سنة 2011، وتحديدا في جريدة الجارديان/The Guardian كتبت الصحفية هفزيباه آندرسون/Hephzibah Anderson مقالا خطيرا جدّا عن موضوع يُعرف بـ FoMO أو Fear of missing out/الخوف من أن يفوتك شيء”. FoMO مصطلح جديد في علم النفس الافتراضي يتناول ظاهرة سيطرة مواقع التّواصل الاجتماعي على عقول النّاس، حيث أنّها تجعلهم غير قادرين على البقاء ولو للحظات دون أن يطّلعوا على آخر التطورات: من كتب عن ماذا، من ردّ بتعليق وكيف، من أرسل لهم ومن شاهد ما أرسلوه ومن لم يردّ عليها.. فكرة “يجب أن لا يفوتني شيء”. هناك عالم موازي للذي أنا فيه لا ينتظرني ولا ينتبه لكوني غير متّصل أو متواجد (offline)، لذا يجب أن أكون متواجدا وبصورة شبه دائمة لأتابع هذا العالم. لهذا يصنّف علماء النفس هذه الظاهرة كحالة جديدة من التّشبّع النفسي للفرد. فمثلما يحتاج أن يأكل ويشرب ويشعر بأمان، يحتاح لأن يكون على اطلاع ومعرفة بكلّ ما يحدث حوله، يحتاج ان يشعر بالتواصل!
يتلخّص الموضوع ببساطة في أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يرغب في التواجد في مجموعات وفي امتلاك روابط تواصل كثيرة. فبمجرد دخول الإنسان لعالم “السوشيال ميديا” واكتشافه سهولة الحصول على العلاقات أو الرّوابط، يأخذ في التعامل معها بشكل فيه درجة من الهوس ليحافظ عليها. فهو يجب أن يرد في الوقت كذا حتّى لا يغضب منه فلان، يجب أن يضع إعجابا على صورة زميلته ليقول لها بطريقة غير مباشرة أنّه مهتمّ، فهو يريد أن يقول لدائرته في العالم الافتراضي “أنا معكم وأعرف أخباركم.”، “أنا معكم وأهتمّ بإخباركم جديدي.”، “أنا معكم وأنتظر أن أرى تعليقكم على كلّ خطوة أقوم بها، سواء كانت حدثا مهمّا في حياتي كالارتباط والعمل الجديد أو بلا معنى كغدائي في المطعم الذي تحت مقرّ الشغل.”
FoMO، هو السّبب في أنّنا لم نعد نسمح لأنفسنا بالابتعاد ولو قليلا عن جوّ مواقع التواصل، لم نعد نستطيع البقاء ساعة متواصلة بدون متابعة آخر ما نُشر، لدرجة أنّنا نتعامل مع هذه المواقع بشيء من الإدمان والهوس. والأشد غرابة أنّك ستقرأ هذا المقال عن “الخوف من أن يفوتك شيء” والهوس بمواقع التواصل على Facebbok، أمّا ما جعلك تقرأه فهو أنّك قمت بتحديث صفحة الاستقبال لترى “ما الجديد؟”.
فكرة وإعداد: كرولوس بهجت
إعادة صياغة: نهى سعداوي
لمزيد الاطّلاع:
اضف تعليق