إرهاب في سيناء، اقتصاد منهار، سقوط طائرة روسيّة، شوارع غارقة بالمياه.. جميعها أمور يحاول الإعلام المصري إظهارها بصورة “الإخوان هم السّبب”. الإخوان هم سبب كلّ مصيبة تحلّ في مصر. ومن الطّبيعي أن ينتقل الاتهام لكلّ ما يتعلّق بالإخوان بصلة وصولا لحركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين لكن، هل ما يقوم به الإعلام المصري جديد؟ لنعد في الزمن إلى 70 سنة مضت، أنت الآن في بلاد “الهيبيز” و”الميتال” والانفتاح. أنت في بلاد الدّولار والاقتصاد العملاق، أنت في بلاد “الجينز” و”المارلبورو” و”الهمبورغر”. أهلا بك في أمريكا.
“Reds under bed/الحُمر تحت السّرير” .. “The Red Scare/الرعب الأحمر” مصطلحات انتشرت في أمريكا في خمسينيات القرن الماضي للدّلالة على الخوف الكبير من الشّيوعية. كان الأمريكان يعتقدون أنّ الشيوعيين الرّوس هم السّبب في كل المصائب. يريدون ذبحهم وهدم أبراج نيويورك فوق رؤوسهم. وهو تقريبا نفس الجوّ الذي يصنعه الإعلام المصري اليوم للإخوان. في تلك الحقبة برزت شخصيّة حفرت اسمها بالتّاريخ، وأصبحت تدلّ على اتجاه سياسيّ كامل. جوزيف مكارثي، كان سببا رئيسيا في خلق جوّ عام من الخوف من الشيوعية.
سيطر مكارثي على حقبة كبيرة من التّاريخ الأمريكي ولقن الأمريكيين درسًا لا ينُسى، لأنهم عاشوا بسببه في جحيم من الشك لفترة طويلة تبدأ من خمسينيات القرن الماضي. كان يؤمن أن هناك طابورًا خامسًا شيوعيًا في كلّ ركن من الولايات المتحدة، وبعضهم عملاء فعلا وبعضهم متعاطفون. هناك سلسلة جلسات شهيرة دارت بين ممثّل الجيش الأمريكي وبين مكارثي في الفترة من إبريل إلى يونيو 1954. الجيش يتّهمه بالفساد واستغلال المنصب، وهو يزعم أنّ هذا الاتّهام جاء بسبب كشفه لتغلغل الشّيوعية في الجيش. لقد جعل مكارثي وإدجار هوفر حياة الأمريكيين سوداء كابية في تلك الفترة، واضطرّ فنانون كثيرون للهرب من الولايات المتحدة.
“محاكمة ضابط طيران”، هذا الضّابط فُصل من الخدمة لأنّهم اكتشفوا أنّ أباه شيوعي. في المحاكمة، توضع كلّ أوراق القضية في مظروف مغلق. ولا يَلقى الطيّار محاكمة عادلة ولا يعرف بأيّ شيء هو متهم. تصدر ضدّه إدانة والكلّ يبتعد عنه كأنّه مطلي بالقار، أجرب، فقط لأنّ مكارثي يمكن أن يتّهم أيّ أحد يدافع عنه بالشّيوعيّة. جنون رسميّ، فمجرّد الشّك أنّك شيوعيّ أو متعاطف أو زوج خالتك زار الاتحاد السوفيتي يوما ما، كان كفيلا لتلفيق التّهم لك. نعم أنت في أمريكا الخمسينيات أو مصر 2016 لا فرق.
“امرأة تمّ فصلها من العمل بسبب اسمها، اسمها ‘ناتاشا’.” قصص كثيرة من هذا النّوع انتشرت. ودائما يتصدّر مكارثي المشهد بوصفه عرّاب محاربة الطّابور الشيوعي الخامس في الولايات المتحدة إلى أن وقف صحفيّ شجاع اسمه إدوارد مورّو في وجه مكارثي. ينجح مورّو في حصار مكارثي أكثر عن طريق كشف أخطاء فاحشة ارتكبها، ويدعوه لبرنامجه التلفزيوني فيلبّي مكارثي الدّعوة. كان مورّو ناجحا جدّا في إظهار غباء وكذب ما يفعله مكارثي في الرّأي العامّ الأمريكي. النّتيجة هي أن يلقي مكارثي دستة اتّهامات بالشّيوعيّة ضدّ مورّو، منها أنّه يتلقّى راتبا سوفيتيا، وأنّ كاتبا شيوعيّا أطراه في مقدّمة كتاب. قام مورّو أثناء المواجهة ببعض الحيل التي يعرفها رجال الإعلام، منها تجسيد لقطة لمكارثي وهو يعبث بإصبعه في أنفه أو وهو يتجّشّأ. والنّتيجة هي إضفاء طابع الفظاظة والغباء . قال النّقّاد فيما بعد إنّ مورّو استعمل حيلا شبيهة بتلك التي اتُّهم مكارثي بعملها! لا نزال في أمريكا الخمسينات ولسنا في مصر 2016.
في النهاية، يتمّ إيقاف برنامج مورّو لكن، بعد أن وجّه ضربات قوية جدّا ضدّ مكّارثي. يضطرّ مجلس الشيوخ لفصل مكارثي، ويقضي باقي حياته وحيدا ثمّ يموت في الثامنة والأربعين بفعل إدمان الكحول. في العام 2005، أخرج لنا جورج كلوني فيلما جميلا عن مكارثي. ليس مكارثي بالضّبط بل المقدّم التّلفزيوني الشجاع الجريء في محطّة CBS إدوارد مورّو الذي اشتهر بعبارة “Good Night and Good Luck/مساء الخير وحظّا سعيدا” في نهاية حلقات برنامجه المهمّ “See it Now/شاهده الآن“، وهذه العبارة هي عنوان الفيلم.
نحن نمرّ بفترة مكارثية مكتملة، لكن ليس لدينا مذيعون من طراز إدوارد مورّو يكشفون للأمة ضلالها. لدينا نماذج مختلفة نوعا، بعضها يطلب علفًا لأنّه اكتشف أنّه حمار، وبعضها يعرض لقطات من ألعاب فيديو باعتبارها لقطات للطّائرات الرّوسية التي تهاجم سوريا. فهل يصلحون؟
اضف تعليق