إذا قال خمسون مليون شخص مقولة حمقاء، فإنّها ما تزال مقولة حمقاء. الأديب الفرنسي، أناتول فرانس
في القرن الثالث قبل الميلاد، ذهب القائد العسكري الّصيني بانج كونج/Pang Cong للملك ليكلّمه بخصوص الإشاعات التي تدور حوله وبيرّر له موقفه ويشرح له أن لا مشكلة إذا ما عدد قليل ردّد أيّ كلام طالما لم يصدر عن الكثير من الناس. فقال للملك:” إذا قال شخص ما أنّ نمرا طليقا في السوق، هل ستصدّقه جلالتك؟” فردّ الملك: “طبعا، لا “.فقال بانج كونج:” وإذا ما قال لك شخصان ذات الكلام، هل ستصدّقهما جلالتك؟” فردّ الملك: “لا، أيضا”. فسأله: “وإن كانوا ثلاثة؟!” هنا قال الملك: ” هكذا يمكن أن أصدق “. وكانت هذه القصة وراء المثل الصيني المشهور “Three men make a tiger/ثلاثة رجال يصنعون نمرا ) لتوضيح فكرة أنّ الأمر كلّما زاد عدد مؤيّديه، كلّما اكتسب مصداقيّة. السؤال هنا: “هل فعلا ثلاثة رجال يصنعون نمرا؟”
مغالطة الاستناد للكثرة /Argumentum ad populum:
مغالطة شهيرة جدّا في علم المنطق، توضّح أنّ عدد المعتقدين في أيّة فكرة لا علاقة له بصحّتها. بدأ الموضوع مع الشّاب الهندي “شودوخان ” معتنق الديانه الهندوسية. كان شادوخان يكلم صديقا له من غير ديانته وفي خضمّ النقاش، قال له:” الهندوسية هي الديانه الصحيحة! ثّمة مليار هندوسي على الأرض! لا يُعقل أن يكون مليار على خطأ” فردّ عليه صديقه: “ثمّة ملايين من المدخّنين، لكن هذا لا ينفي أنّ السجائر مضرّة بالصحو.” انفعل شودوخان وغضب وأخذ يهاجمه ويصفه بالجههل والتخلّف. لكن ما الذي جعل شزدوخان يربط عدد معتنقي الديانة بصحّتها؟ ما الذي يجعل الإنسان يميل لوجهات النّظر أو الآراء المقبولة مجتمعيّا حتّى وإن لم تكن متناسقة مع مبادئه الدينية أو الاجتماعية أو السّياسيّة؟
يقول الفيلسوف الدكتور فؤاد زكريا في كتابه “التفكير العلمي” عن مغالطة الاستناد إلى انتشار و شيوع الفكرة:
إنّ جموع الناس تبحث عادة عن الأسهل و المريح. فهي تتجمّع سويّا حول الرأي الواحد مثلما تتلاصق أسراب الطيور لتحمي نفسها من الصقيع. و كلّما كان الرّأي منتشرا و مألوفا، كان قبوله نوعا من الحماية لصاحبه، إذ يعلم أنه ليس الوحيد الذي يقول به… أمّا إحساس المرء بأنّه منفرد برأي جديد، و بأنّه يقتحم أرضا لم تطأها قدم أخرى من قبل و يتعيّن عليه أن يخوض معركة مع الكثرة الغالبة لكي يحمي فكرته الوليدة – أمّا هذا الإحساس فلا يقدر عليه إلا القليلون، وعلى يد هؤلاء حقّقت البشرية أعظم إنجازاتها.”
الموضوع إذن ببساطة، ليس له أيّة علاقة بعد الأشخاص المؤمنين به. فالعدد لا يثبت صحة المعتقد ولا بينفي خطأه. في المقابل، التحليل المنطقي العقلاني لأية فكرة هو الذي يحدّد صحّتها و سلامتها العلميّة. فليس شرطا للتأكّد من وجود نمر في السوق أن ثلاثة قد قالوا ذلك ولا هو مشروط بقول شخص واحد، بل هو الدّليل المادي المقبول الذي يحدّد ولو كان من شخص واحد أو من مليون. في النهاية، الأمر يلخّصه قول المفكّر بيل ماهر/Bill Maher حين أراد تقديم مثال عن هكذا مغالطة:”فلناكل الفضلات، لا يمكن أن تكون 20 مليون ذبابة على خطأ!/!Eat shit. Twenty trillion flies can’t be wrong”
فكرة وإعداد: كرولوس بهجت
إعادة صياغة: نهى سعداوي
المصادر: هنا هنا
اضف تعليق