منذ فترة كنت قد قرأت مقالا هنا في قرطاس بعنوان“العرب و الجنس: 7 نقاط لتفنيد ادّعاء الهوس الجنسي” حاول من خلاله الكاتب بشكل أو بآخر أن ينفي عن العرب وبالتحديد الشباب العربي المعاصر صفة الهوس أو السعار الجنسي متخذا من بعض المصادر دليلا لحجته. وإحقاقا للحق فإني وإن كنت قد أتّفق مع كاتب المقال في بعض النقاط، فإني في الوقت ذاته أختلف معه في مجمل براهينه وحججه. ولذلك سأحاول أن أردّ أو أعبّر عن وجهة نظري واختلافي مع الكاتب وللقارئ في النهاية الحق في أن يقرأ ويفكّر ويقارن ومن ثم يحكم ويتّخذ موقفا.
هل حقا نسبة المسعورين والمهووسين جنسيا من العرب لا تصل المستوى المطلوب؟
أنا لا أعرف تحديدا ماهو المستوى المطلوب ولكن ما أعرفه جيّدا هو أنّه يكفينا أن نسير في أحد ميادين القاهرة أو حدائقها خلال فترة الأعياد لنرى إذا ما كان مستوى التحرش قد وصل الى ذلك المستوى المطلوب أم لا ؟ (1)
هل فعلا عندما ندعي أن العرب مهوسون جنسيا نصبح بذلك “منهزمين أمام الحضارة الغربية، أو مسلمين سذّجا منبهرين بما يُسمّى بالرقيِّ والتمدُّن عند الغرب“؟
للإجابة على هذا السؤال أيضا، سأكتفي بدعوتك عزيزي القارئ لزيارة إحدى الدول الأوروبية ومشاهدة الأوروبين أثناء احتفالاتهم وأعيادهم حينها تستطيع إجراء تلك المقارنة. كذلك فإني أعتقد أنّه يجدر بنا على سبيل المثال لنكون محايدين في طرحنا أن نسأل فتاتين إحداهما مصرية والأخرى ألمانية أو فرنسية:”أيّ منهما ستخاف أن تخرج بأي ملابس كانت للشوارع أثناء الأعياد ومن منهما ستفضّل الجلوس في البيت خوفا من التحرش والإغتصاب؟” أعتقد أنّ الإجابة لا تحتاج تفكيرا. ربما حينها سنعرف أي الشعوب يفكّر بنصفه السفلي وأيهما لا. (2)
هل حقا كلمة ”SEX” هي أكثر الكلمات بحثا بواسطة العرب على محرّك بحث جوجل ؟
لن نستطيع الإجابة على هذا السؤال سواء بالإيجاب أو بالنفي لأن جوجل يحجب الكلمات الإباحية تلقائيا ولا يضمّنها في أي تصنيف، وبالتّالي فمن الصعب إصدار حكم سواء كانت هذه الكلمة هي الأكثر بحثا أم لا. وهو ما ذكره كاتب المقال للأمانة وأتّفق معه بأنّه من الصّعب إثبات هذا على العرب لكني، أضيف أيضا أنّه من الصعب إثباته كذلك على الغرب أو على أيّ شعب من شعوب الدنيا.
ماذا عن الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية؟
بصفة عامة، عندما يتناول كاتب عربي مسألة الجنس فإنه في الغالب يتناولها ويناقشها من وجهة نظره العربية ومن واقع نشأته في مجتمع عربي مسلم يحرّم الجنس ويجرم من يمارسه دون زواج مما ينعكس بالطبع على تحليله ورؤيته للأمر. ولذلك يتناسى الكثير منهم حقيقة أنّ الشاب الغربي حين ينظر للأمر فهو يراه بشكل مغاير تماما. فالجنس بالنسبة له ليس بالشيء المحرّم أو الذي يعاقب على ممارسته القانون. هذا لأنّ المجتمع يرى أنّ ممارسة الأمر بشكل طبيعي وبدون قيود وإعطاء الحرية الجنسية أمر صحي لا يعيب. كما أنّه يساهم بدوره في الحد من الكبت الجنسي الذي يعاني منه الشباب في الدول العربية نتيجة الصعوبات التي يواجهها الشاب من أجل إقامة علاقة جنسية يرضي بها غريزته التي هي شئ فطري لا عيب فيه.
بالنسبة للخيانة الزوجية، تمثل كثير من المصادر المتاحة على شبكة الإنترنت موضع شك كبير ويمكن تكذيبها. وأنا شخصيا أرى أنه لا يجدر بنا أخذها على محمل الجد. فعل سبيل المثال، استعان كاتب المقال السابق بأحد المواقع العربية كمصدر لإثبات أنّ الخيانة الزوجية منتشرة في الغرب بشكل اكبر بكثير منها في البلدان العربية. وكان هذا الموقع قد ترجم نتيجة الاستطلاع من موقع أجنبي اعتمد بدوره على استطلاعات رأي أجرتها شركات متخصصة في إنتاج الواقي الذكري ومواقع المواعدة والتعارف الالكترونية وهي استطلاعات رأي عشوائية والنسب المذكورة فيها تمثل نسبة مئوية لعدد المشاركين في الاستطلاع ولا تمثّل التعداد الكلي للسكان. كما أنّ تلك الشركات لم تجري تلك الاستطلاعات في أي من الدول العربية أصلا لأنّه ببساطة لن يجيب أيّ زوج أو زوجة في دولنا العربية بصراحة على تلك الأسئلة. الأمر الذي قد يجيب عليه بعض الأوربيون والأوربيات بصراحة كما هو الحال في تلك الاستطلاعات التي يصعب الاعتماد عليها كمصدر.(3)
وإذا تحدّثنا عن موضوع شائك آخر، وهو المثلية الجنسية، فلن يختلف الأمر كثيرا. فالكثير من الكتاب يتناولون الموضوع من وجهة نظر عربية شرقية إسلامية. فيتم بلورة الأمر وتقديمه على أنّه منتشر في الغرب أكثر من الدول العربية. وهذا من وجهة نظري يرجع إلى شبه استحالة تصريح المثلي العربي المسلم بمثليته. هذا على النقيض مما قد يفعله الأوروبي دون خجل، حيث أنّه قد يبرر ذلك قائلا أنّ الأبحاث أثبتت أنّ الشخص يولد بميول جنسية مختلفة ليس له أيّ دخل في اختيارها. فهو أمر متعلّق بتركيب الهرمونات وهو ينطبق على العربي وعلى غير العربي. ولكنكما سبق وقلنا فالعربي لن يصرّح لك بذلك. وهو ماقد نراه في حالات المثليين العرب المتزوجين والذين ربما لديهم عائلات وأطفال، ثم يتم اكتشاف أنّهم على علاقات مثلية في سن متأخرة من العمر.(4)
الجدير بالذكر أيضا أنّه في الدول العربية يتجه الشخص لممارسة الجنس مع شخص من نفس الجنس لأنّ ذلك قد يكون أسهل من أن يمارسه مع الجنس الآخر بسبب القيود الاجتماعية والدينية والقانونية المفروضة حول الأمر، مما يجعله يتّجه لإرضاء فطرته بأيّ طريقة ممكنة. ونرى هذا على سبيل المثال في دول مثل السعودية أو غيرها. وهو ما لا يفعله الأوروبي في حالة كونه غير مثليّ بالفطرة، حيث أنّ الحريةّ التي يتمتع بها تغنيه عن هكذا ممارسات.
وبالتالي فإن أيّ استطلاع رأي أو مصدر يقارن بين العرب والغرب لن يُعتد به كمصدر لأنّ العربي لن يجيب على أسئلة الاستطلاع بنفس مصداقية الغربي. وهو ما يشكّك بدوره بشكل عام في مصداقية أيّ نتائج لتلك الاستطلاعات. كما أنّ الكثير من تلك الإحصائيات يشير إلى مدى تقبّل المجتمع للمثليين وليس لأعدادهم. والجدير بالذكر أنّ مجتمعات غربية عدّة تعارض بشدّة فكرة زواج المثليين كبولندا ودول شرق أوروبا.
ماذا عن مشكلة التحرش والإغتصاب؟
هذه المشكلة تعد من أكبر المشاكل والأزمات الإجتماعية التي تواجه مجتمعاتنا العربية ومحاولة نفيها أو التقليل من حجمها يُعتبر جريمة. ليس فقط لأننا بذلك ندفن رؤوسنا بالرمال كالنعام، بل لأننا نعتدي على حق المرأة العربية التي تستحق أن نهتم بحلّ المشكلة وحمايتها من المجتمع الذكوري الذي يتحرش بها ويغتصبها ثم يعود بعد ذلك بكل سماجة ويقلل من حجم المشكلة أو يدّعي أنّها ليست بالنسبة الكبيرة التي نتصورها. وأنا شخصيا لا أدري ماهي النسبة الكبيرة التي يجب أن يصل إليها التحرّش والاغتصاب حتى نبدأ في رؤية المشكلة وحلّها؟ ماذا عن جرائم التحرش والاغتصاب التي نسمع عنها يوميا وماذا عن الأعياد في مصر والتحرش الجماعي الذي يقع على مسمع ومرأى كلّ عربي؟ ألا يمثل كل هذا “نسبة كبيرة“؟
وهنا أيضا يعتمد الكثير ممن يدعي أنّ النسبة “ليست كبيرة” على بعض الإحصائيات الخادعة للمقارنة مرّة أخرى بين العرب والغرب، تلك التي تسجّل عدد من بلّغن ضدّ المتحرّشين بهن أو مغتصبيهن. وهو ما لا يحدث في كثير من الدول العربية ومنها مصر على سبيل المثال. حيث تتعرّض الضحية للضغط من المجتمع والأهل خوفا من الفضيحة والعار، على عكس الدول الغربية التي تتمتع الإناث فيها بالشجاعة الكافية للإبلاغ وتسجيل حالات الاغتصاب رغبة في ملاحقة الجاني ومعاقبته وهو ما يحسب للغرب وليس عليهم.
مشكلة اشتهاء الإطفال
اشتهاء الأطفال هو من الأمراض البغيضة المنتشرة في الشرق والغرب على حد سواء، غير أنّ العرب كعادتهم يحاولون تنزيه أنفسهم عن كل إثم وإلقاء التهمة على الغرب وكأن مجتمعاتنا خلت من كل هذه الأمراض التي توجد فقط في الغرب اللعين الشاذ. وهنا أنصح بمشاهدة بعض الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن اغتصاب الأطفال الهنود والباكستانيين في دول الخليج، ربما حينها سنتمكن من رؤية الأمر بشكل مختلف قد يغيّر فكرتنا عن الأمر، أو ربما قد نلاحظ زواج عجائز الخليج من فتيات في سن الثامنة والتاسعة من عمرهن.
زنا المحارم والجنس مع الحيوانات
لا أعرف حقا كيف للبعض أنّ يدعي أنّ زنا المحارم أو زواج الأقارب ينتشر في الغرب ويقلّ في الدول العربية فزواج الأقارب ممنوع قانونا في كثير من الدول حتى لأولاد العم أو الخال كما في المجر ومعظم الولايات من الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.(5)
تأخّر الزوّاج
قد يتفق الكثير معي في تعقيد إجراءات الزواج في الدول العربية وإضافة نفقات ليس لها ضرورة مما يساهم في إنتشار الكبت الجنسي عند الشباب وتفشي الأمراض الاجتماعية كالتحرش والاغتصاب. وهنا مقال يتناول هذه النقطة بالتحديد: “عاهات وتقاليد: المهم أخلاقه“. إلا أنّي أرى أيضا أنّ انفصال الشباب في سن الثامنة عشر عن عائلاتهم، نقطة إيجابية فالشباب ينال من خلال هذه الخطوة قدرا من الاستقلالية لتحديد مسار حياتهم وعملهم ومستقبلهم وهو ما يساهم في نجاح الفرد لاحقا على المستوى الشخصي والمهني.
خاتمة:
يدّعي الكثير من أبناء مجتمعاتنا العربية أنّ الحلّ لهذه المشكلات يكمن في ابتعاد الفتيات عن ارتداء الملابس المغرية، وهو ما يظهر بالطبع ذكورية التفكير بإلقاء اللوم على الضحية كما نفعل دائما في مجتمعاتنا. وإني أوّجه الدعوة مرة أخرى لأصحاب هذا الرأي لزيارة أحد الأعياد أو المناسبات في الدول الغربية ورؤية ملابس النساء والفتيات ومقارنة نسب التحرش بينهم وبين مجتمعاتنا العربية، ومن ثم الوقوف على حقيقة إذا كانت ملابس النساء هي السبب أم لا. مقالي هذا ليس دفاعا أعمى عن الغرب أو اتهامات بلا دليل بغرض تشويه مجتمعاتنا العربية، ولكني أرى أنّ من واجبي توضيح الحقائق. فالاعتراف بمشاكل مجتمعاتنا العربية وتشخيص أمراضنا الإجتماعية وإعطائها حجمها الصحيح وعدم التقليل منها هو مفتاح الوصول إلى حلول لهذه المشاكل والأمراض، ومن ثمّ علاجها والتخلص منها.
المصادر:
اضف تعليق