ماكدونالدز في روسيا
في يناير 1990، اصطف الآلاف من الرّوس في قلب العاصمة الروسية موسكو لساعات طويلة. الطّابور كان ولا يزال واحدا من أطول الطوابير التي شهدتها العاصمة موسكو في تاريخها. شباب من الجنسين وأطفال ورجال ونساء وكهول تحمّلوا البرد والزّحام الشديد لعدة ساعات، من أجل شراء وجبة ماكدونالدز من المطعم الأمريكي الذي افتتح أبوابه للمرّة الأولى في عاصمة الإتحاد السوفييتي وقتها! في اليوم التّالي لافتتاح المطعم كتب عدّة صحفيين سوفييت أنّ هذا الزّحام يدلّ على انتصار البرجماتية الأمريكية علىالدّب السوفييتي في عُقر داره وفي ذروة الحرب الباردة بينهما. لم يلتفت أحد إلى المقالات ولم يهتمّ أحد بتحليل المشهد بدقّة. بعد عام ونصف، انهار الإتحاد السوفييتي وتفكّك للأبد.
العراق والطّعام الأمريكي
قبل عدّة سنوات، نشرت إحدى الصّحف الأمريكية مقتطفات من مذكّرات بعض الجنود الأمريكيين أثناء غزو العراق في عام 2003. أجمع عدد لا بأس به من الجنود على ملمحٍ عجيب يدعو للتأمل. فقد ذكروا أنّ “المدن التي كان يوجد بها مطعم يقدّم الطعام الأمريكي أو على طريقة الحياة الأمريكية كانت من أقلّ المدن العراقية مقاومة أمام الغزو”! بالطّبع، لم يكن للمطاعم أيّ دور في المقاومة بالسّلب أو الايجاب، ولكن المشهد يمكن قراءته بمزيد من التدقيق عن انسحاق تلك المدن أمام الثّقافة الأمريكية وإنسلاخها من محيطها العراقي وتقبّلها بشكل أو بآخر تواجد ” الغازي/المُحتلّ” بسهولة.
دانكن دونتس في مصر
في أكتوبر 2015، تمّ افتتاح الفرع الأوّل للمطعم الأمريكي الشهير “دانكن دونتس” في مصر. ورغم تواجد الكثير من المطاعم الأمريكية في مصر منذ مطلع السّبيعينات فيما يُعرف بفترة ” الانفتاح ” والتي أقرّها الرئيس أنور السادات كسياسة مجتمعية عقب ارتمائه في الحضن الأمريكي حينها، إلّا أنّ المشهد أثناء افتتاح فرع “دانكن دونتس” في القاهرة كان لافتًا للنّظر وبشدّة، حيث لم يكن مألوفًا من قبل هذا الازدحام الشّديد أثناء افتتاح أيٍّ من المطاعم الأمريكية السّابقة. الموقف كان غريبًا، إثر تواجد الآلاف من الشّباب المصري لعدّة ساعات منذ الصباح الباكر أملًا في الحصول على مجرّد قطعة دونات مع كوب من القهوة الأمريكية الساخنة!
كتبتُ يومها هذه الكلمات “عندما يصبح الانسحاق الحضاري هو موضة أوطاننا العربية.. المساحات ضيقة والانهيار مستمرّ والمنسحقون يتزاحمون في صراع مستميت على فُتات الأمم وفضلات الشّعوب الأخرى، ما دام المنتج يحمل بالنهاية علامة ‘صُنع في بلاد الخواجة’ “! لكنّني بعد استحضاري لقصّة ماكدونالدز الاتحاد السّوفييتي وتذكّري لكلمات الجنود الأمريكيين أثناء غزو العراق، أعدت قراءة المشهد المصري من زاوية أوسع، لأكتشف أنّ المشكلة أعمق ممّا تبدو وأنّ التّاريخ أكثر صرامة مما نظنّ.
- الصّورة المرافقة: لوغو لأوّل محلّات ماكدونالدز الروسيّة في موسكو التي تمّ افتتاحها في 30-1-1991، مرفقا بالشّعار السوفييتي “المنجل والمطرقة”.
اضف تعليق