“أنا أحبّ هذه المنشآت. أصوّرها لأنها جميلة وتعجبني. فكيف يعتقدون أنّني سأفجّرها؟”
هكذا قالت صديقتي الأجنبية التي قضت في مصر عدّة أشهر للدّراسة، وأنا أطلب منها الحذر أثناء التصوير فى الشارع. حيث أحاط عناصر الشرطة بهذه الصديقة مرّة لتصويرها قصر الاتحادية دون أن تعلم أنّه القصر الرّئاسي، ولم يسهّل عليها الأمر سوى كونها أجنبية. بنفس الطّريقة، كادت رغبتي في تصوير مكان التقاء ثلاث “ترع” ببعضها في منطقة الطرومبات – مركز كفر الدّوّار بالبحيرة أن تسبّب لي مشكلة مع الأمن، لولا أنّ عناصر الشّرطة الذين توجّهوا إلينا -أنا وأسرتي- كانوا يعرفون خالي الضّابط في الشرطة. في السابق، كنّا معتادين على رؤية لافتات “ممنوع الاقتراب أو التّصوير” على كلّ من المنشآت العسكريّة والبترولية. صحيح أنّ هذه اللافتات غير موجودة الآن على منشآت أخرى، إلا إنّه قد بات من الممنوع تصوير أيّ شيء.
بعد التفجيرات الكثيرة التي حدثت في عامي 2013 و 2014، والأوضاع المتوترة آنذاك، خافت الحكومة وتوجّست حتّى أصبحت ترى الكاميرا شيئا خطيرا ومصدر تهديد. وخُيِّل إليها أنّ كلّ من يصوّر منشأة أو مكانا ما يهدف إلى تفجيره. فمنعت تصوير المنشآت. ليس هذا المنع بلافتات أو لوائح مكتوبة، بل هو أشبه بعرف تسيَّر به البلاد. فوجئنا بهذا الأمر أوّلا في الجامعات، حيث تمّ منع دخولها بالكاميرات أو تصويرها. ثمّ بالتدريج بدأنا نكتشف أن هذا هو الحال في أيّ مكان آخر. حتّى لم يعد مسموحا بالتصوير إلّا في الأماكن السّياحيّة. فما بالكم بمن يريد تصوير مظاهرة، أو كيفيّة تعامل قوات الأمن معه! وفي الحقيقة فإن مصر لم تعدم في الفترة السابقة حالات اعتقال صحفيين –لا يزالون في السّجون- بسبب التّصوير. وكما يقولون فإن “احراز قضاياهم كاميرا”!
قد يقول البعض إنّ هذا المنع ليس بالأمر الجلل. فما حاجتنا لتصوير المنشآت وخاصّة الحكومية؟ إلاّ أنّ من يعيش في مدينة كالإسكندرية مثلا أو زارها، يعرف أنّ الكثير من المباني والمنشآت فيها تستحقّ التصوير لطرازها المعماري الفريد، وشكلها الجميل، كما أنّها تعتبر تاريخية بشكل ما. وأيّ شخص يعيش في مصر على وجه العموم يعرف أنّ مجرّد حملك لـ”كاميرا” الآن يجعلك شخصا مثيرا للرّيبة من قبل الأمن والمواطنين على السواء. كما يعرّضك التّصوير لخطر إلقاء القبض عليك وإن للتّحري، أو إيقافك تحت مسمّى “تصوير منشآت حيوية”. وصل الأمر إلى درجة أنّ أيّ شخص تضطرّه الظروف لدخول منشأة حكومية أو المرور من بوابة الكترونية وهو يحمل ‘كاميرا’ يُتوجّس منه كمن يحمل قنبلة.
سنة 2010، بعد حادثة قتل “خالد سعيد”، تمّ منع دخول أقسام الشّرطة بالهواتف الجوّالة بسبب انتشار “فيديوهات” تعذيب المتّهمين في أقسام الشّرطة وإنكار الحكومة للأمر. كان الهدف من ذلك وقتها محاولة إخفاء ما يحدث بالأقسام، أو على الأقل إبقاءه حديثا يُتداول دون أدلّة. أمّا الآن، فنحن لا نستطيع أن نقول أنّ السّبب الوحيد للمنع هو محاولة إخفاء المخالفات والفساد. فأيّة مخالفات سنقوم بتصويرها فى واجهة مركز شباب أو قصر ثقافة مثلا؟ إنّ هذا المنع الشّامل يعني أنّ الحكومة خائفة من الشّعب، وتتّخذ إجراءات دفاعيّة ضده لأنّها تعلم أنّه غير راض عنها، بدلا من محاولة تغيير الوضع القائم بينها وبينه للأفضل. كما يعنى أيضا أنّ الدّولة بكلّ مؤسّساتها ترتعد أوصالها من مجرد “كاميرا”. ولكن أيّا كان سبب المنع -سواء إخفاء ما يحدث، أو الخوف من التفجيرات- فإنّه لم يمنع من معرفة ما يجري في الأقسام والسّجون والمستشفيات والجامعات والمدارس وكل مؤسّسات الدولة، كما لم يمنع أيضا حدوث التفجيرات.
اضف تعليق