عند اللّقاء الأوّل
لا تستمع لأيّ أغنية
ولا تضع أيّ عطر
وإياك أن تحبّ المكان كثيرا
ولا تسأل عن السّبب -نزار قباني-
سنه 2009، في جريدة The Guardian، كتبت المُفكرة Amelia Hill مقالة بعنوان “?Why we can never recover from first love”/لماذا لا نستطيع التّعافي من الحب الأول أبدا؟. تناولت فيه بالحديث أسباب صعوبة نسيان الحبّ الأوّل. ذكرت الكاتبة Amelia Hill أنّ حالة الهيام الخيالي والـنشوة/euphoria التي يكون فيها أيّ شخص يحبّ لأول مرّة هي التي تجعل من تجربة الحبّ الأوّل تجربة مميّزة ولا يمكن نسيانها. خصوصا أنّ أوّل علاقة حبّ تكون غالبا في فترة الشباب والمراهقة، التي يكون فيها عقل الإنسان حالما ومتفائلا لمّا يواجه مشاكل وكوارث الواقع ويُصدم بحقيقتها. حتّى معايير اختياره لشريك حياته -إن صحّ القول- تكون قائمة على صورة عاطفية أكتر من صورة عملية. بمعنى أنّه لا يهتمّ لمستقبل الشّريك أو ما يملكه أو ما سيكونه مستقبلا، ولا أيّ من الأشياء التي تقيّد وتعقّد “حبّ الكبار”. فيقرّر ببساطة السير حيث تأخذه هذه المشاعر.
في كتابه “A General Theory of Love”/نظريّة عامّة للحبّ، وضّح عالم النفس Thomas Lewis/توماس لويس أنّ صعوبة نسيان الحبّ الأوّل تكون لسبب هرموني كيميائي أكتر منه عاطفي حسي. يبدأ الموضوع عندما يقع الإنسان في غرام شخص، فيبدأ الجسم بإفراز كميات كبيرة من هرمونات معينة تعطي الإنسان شعورا رائعا وممتعا. وبذلك تكون المرّة الأولى التي يشعر فيها الإنسان بتدفّق هذه الهرمونات في جسمه، علامة فارقة في حياته. المصيبة هنا، حين يخسر هذا الشخص الذي يحبّه فتتوقّف الهرمونات بالتدفّق بالكميّات الكافية، لتعود وترتفع نسبة تدفّقها إذا دخل الإنسان علاقة عاطفيّة جديدة لكن لن يكون لها تأثيرها الأوّل. فيعيش الإنسان في وهم الرّغبة في مقارنة أيّ علاقة يدخلها بعلاقته الأولى.
تفسير آخر للموضوع يربطه بنوع من الذكريات. يوجد جزء في عقل الإنسان يُسمّى Flashbulb memory وهو نوع من أنواع الذكريات شديدة التفصيل، والتي تتكوّن في حالات كثيرة من أهمّها حالات الحبّ. ما يعني أنّك في أغلب لقاءاتك مع الشخص الذي تحبّه، لست تشكّل مجرّد ذاكرة عابرة، بل أنت في قمّة تركيزك حين تكوين الذاكرة. والسبب أنّ الموقف الذي تعيشه يسبّب أو يخلق شعورا عظيما ترغب في تسجيله في مخّك لتعود له حين تكون وحدك مسترخيا مثلا، كأنّك تسجّله بكاميرا الهاتف الجوّال. لكن بكاميرا عقلك في هذه الحال، تسجّل كلّ نظرة، كلّ ضحكة، كلّ تفصيلة وقد يصل الأمر حدّ تسجيل رائحة عطر أحد الجالسين حولكما.
توجد نظريات كثيرة وتفسيرات لاحصر لها عن صعوبة نسيان الحبّ الأوّل، و مدى قوّته وتأثيره في حياة الإنسان بعد ذلك. وبالرّغم من أنّ الكثير يأخذه بنوع من الاستهزاء أو التّقليل من قيمته، والبعض يتعامل مع الحبّ الأوّل كتجربة أو تسلية لوقت الفراغ، إلّا أنّه من الممكن أن يسبّب صدمة نفسيّة وألما نفسيّا لبعض الناس. يعيش الشّخص بعده ويدخل علاقات لكنّ الحبّ الأوّل يبقى له أثر يشبه جرحا في الذاكرة لا يشفى. فامنحوا الحبّ الأوّل بعض القداسة!
استمعوا لأغنية الفنانة جوليا بطرس التي تطرح نفس السّؤال، لماذا لا يفارقنا الحبّ الأوّل؟
فكرة وإعداد: كيرلس بهجت
إعادة صياغة: نهى سعداوي
المصادر:
اضف تعليق