آخر ما قرأته عن تحرّكاتهم الدموية عمليّة إعدام الشاب عبدالله عزام الشلالدة فجر الخميس 12 داخل المستشفى الأهلي بالخليل، واختطاف ابن عمّه الجريح بتعلّة تنفيذه عمليّة طعن منذ أسابيع. عمليّات الطّعن ميّزت الانتفاضة الفلسطينيّة الثالثة في الضفة الغربيّة التي لا ينفكّ شبابها يكدّر صفو قوّات الاحتلال وحكومته منذ ما يقارب الشهربن. ومقابل التحركات الاحتجاجيّة الفلسطينيّة التي لا تتوقّف هذه الفترة وتتنوّع، يطلق الاحتلال مجموعات المستعربين لضرب التّحركات والقيام بما لا تستطيعه قوّات الجيش والشّرطة في مواجهة الشباب المنتفض. هذه المجموعات تنتمي لفرقة خاصّة في الجيش هي “وحدة المستعربين” التي تعرف بـ “وحدة الموت” قد يكون نشاطها لافتا للانتباه هذه الفترة في استهداف الفلسطينيين، لكنّ تاريخها الدمويّ قديم.
فيديو عمليّة اقتحام المستعربين لمستشفى الخليل الأهلي
النّشأة:
يقول يورام بنور، صحفي اسرائيلي: “وجود المستعربين تاريخيّ، منذ أوّل وجود صهيونيّ، قبل نشأة اسرائيل. كانوا عربا من ناحية الشكل والعادات والتقاليد. يلبسون لباس العرب ويتكلمون العربية. تمّ استعمالهم في شراء الأراضي.” كان هذا في مرحلة “منظمة الشومير/الحارس” التي أسّسها يتسحاق بن تسفي الذي أصبح فيما بعد الرئيس الثاني لاسرائيل. يكون للمستعرب هيئة خيّال عربي يحمل عادة بندقيّة تركيّة ويلبس لباسا عربيّا. يجمع المستعربون المعلومات أثناء تنقّلهم واختلاطهم بالعرب ساكني القرى الفلسطينيّة. ثمّ يمدّون فرق “الهاجانا” بها لتجهيز ملفات عن الطرقات والمدارس والقرى وساكنيها، كان هذا يعرف بـ”ملفّ القرى”. لكنّ أوّل من استخدمهم بقوّة كان أرييل شارون في غزّة في السبعينات. كقائد للمنطقة الجنوبيّة آنذاك، كوّن شارون في 1971/1972 أوّل وحدة مستعربين حربية وهي وحدة “شيفشون” في غزّة. ثمّ تأسّست وحدة “دوفدوفان” على يد ايهود باراك منذ حوالي 15 سنة في الضّفة.
نماذج من عمل المستعربين:
حسب يوشي ميامان وهو صحفيّ اسرائيليّ:” المستعربون نوعان. هناك جماعة منهم يعملون تحت “غطاء عميق” يهدفون أن لا يتم كشفهم فورا، ضمن عمليات طويلة الأمد. وهناك من يعملون تحت “غطاء خفيف”. يشبهون الساكنين في القرى العربية ويبدون كأيّ فلاح عربي حتّى أنهم قد يلبسون جلابية ويضعون حطّة على الرأس. ويكون ذلك لتحقيق أهداف قصيرة المدى”. ولعلّ الأمثلة الموالية تعطي تفاصيل أكثر عن طبيعة العمل طويل المدى.
سوريا، لبنان والأردن:
بداية، تسلّل المستعربون بعد أن تمّ إعدادهم في قوافل اللاجئين. فقد قامت المخابرات بتسريب عملاء يهود غادروا مع اللاجئين للأردن ولبنان في النّكبة. كما أنّهم عملوا في بلدان عربيّة مثل سوريا ولبنان والعراق. صاموئيل موريا، الشهير بسامي، كان من مؤسسي وحدات المستعربين الأوائل. يقول:”ما الذي تعلّمه إيلي كوهين -كامل أمين ثابت- مثلا قبل مباشرته العمل في سوريا؟ لقد تعلّم اللاسلكي، كيف يكتب وكيف يتواصل ويعمل. تعلّم أيضا أساليب كثيرة للتواصل.” موريا أيضا عمل في دمشق وفي بيروت بلا لاسلكي ولا اتصال مباشر، متنكّرا كمسلم شيعيّ بهويّة إيرانيّة.”
العراق:
تسوري ساجي، اسرائيليّ آخر عمل في هذا المجال لكنّه لم يتنكّر كعربيّ. يقول: “تنّكرت بهيئة كوردي لا مستعرب. ومهمّتي كانت إعطاء نصائح للأكراد حتّى لا يسمحوا للجيش العراقي بالقضاء عليهم. زوّدت الملاّ مصطفى برزاني بعدد من النصائح الجيدة. ساعدته في الصمود عندما كان يواجه الجيش العراقيّ وهو جيش متطوّر بمقاييس ذلك الزّمن.” محاكاة الثقافة واللغة جزء من سلوك أمنيّ اسرائيليّ يمتدّ لشعوب أخرى.
الزواج من عربيّات:
شهدت الخمسينات أسلوبا أبشع لعمل المستعربين. ففي بداية الخمسينات تمّ إنشاء وحدة مستعربين لجمع معلومات من القرى العربيّة. لكنّ طول إقامتهم هناك وهم شباب دون عائلات كان ليثير الشّكوك. وبناء على ذلك، تقرّر أن يكون الاندماج في المجتمع العربيّ أكبر وذلك بالزّواج من عربيّات والانجاب منهنّ. وقد تمّ اخفاء هذا الموضوع طيلة أربعين سنة لأنّ أفراد هذه الوحدة قد أقاموا عائلات جديدة وعاشوا حياة مزدوجة والبعض أعلم العائلة بعد اختفائه لكن الأغلبيّة اختفت دون سابق إعلام. وقد أثير هذا الموضوع لأوّل مرّة في تقرير في صحيفة هآرتس سنة 1998.
كيفية التعامل مع المستعربين:
ينشر النّشطاء الفلسطينيّون منذ انطلاق الانتفاضة الثالثة توصيات تخصّ شكل المستعربين الذين يسبقون الجيش في العمليات الميدانيّة وكيفيّة التّعامل معهم. فهم عادة يتسلّلون في شكل مجموعة وسط الشباب الفلسطينيّين ويرافق حضورهم توقّف لإطلاق الغاز والرّصاص من طرف القوّات االاحتلال. وهذا مثال عنها:
- وضع المتظاهرين للقميص داخل البنطال، كون المستعرب لا يستطيع فعل ذلك لأنه يخرج قميصه دائما بهدف إخفاء سلاحه.
- التحرك في جماعات تعرف بعضها بعضا، وتجنب التحرك بشكل منفرد أو مع أشخاص غير معروفين شخصيا.
- في حال ملاحظة أي سلوك غريب ومشبوه لشخص غير معروف يجب إبلاغ بقية أفراد المجموعة عنه والانسحاب من المكان.
- في حال ملاحظة شخص ما يتحدث عبر الهاتف بشكل مطول، فيجب مراقبته فلربما كان يقدم إشارات معينة عن المتظاهرين.
- المستعربون عادة يتمتعون ببنية قوية وتحركاتهم توحي بأنهم مدربون ولديهم القدرة على السيطرة على أي شخص.
- من المهم في حال اكتشاف مستعرب أو الشك به الانسحاب بعد الإبلاغ عنه والتحذير منه، وتجنب مهاجمته أو مواجهته، فالمستعرب لا يكون أعزلا ولا وحيدا حتى لو ابتعد عن رفاقه بعض الشيء، كما أنه يتمتمع بقدرات قتالية عالية، وجنود الاحتلال يعرفونهم جيدا وسيقدمون لهم العون باستخدام السلاح، ما يجعل المعركة المباشرة معهم غير رابحة ويجب تجنبها.
ماضٍ وحاضرٌ ومستقبل:
نفّذ المستعربون 45 عملية اغتيال خلال 4 سنوات من الانتفاضة الأولى. منها اغتيال مروان القواسمي 9/7/2004 في الخليل. و74 عملية خلال الانتفاضة الثانية. تتواصل أعمال المستعربين في الاغتيال والاعتقال والاختطاف، حسب الأهداف والتّوجيهات. يعملون تحت أنظار جيش الاحتلال في المواجهات المتجددة هذه الفترة مع الشباب الفلسطينيّ. يقول أحد أفراد هذه الوحدة الشباب :” أنا فخور بعملي في وحدة المستعربين. يسمّونها وحدة الموت لأنّ ذلك يعني أنّها ترعبهم. وعن الممارسات اللاإنسانيّة واللاأخلاقيّة التي قام بها يقول “المستكرد” تسوري ساجي:”أمن اسرائيل فوق كلّ شيء.” لكنّ الأمر لا يقف عند أمن اسرائيل في الماضي والزّمن الحاضر، فالمستعربون هم سلاح اسرائيل المستقبليّ. يقول موريا:” المستعربون يتعلّمون اللهجة الفلسطينيّة ويتعلّمون اللاسلكي وكلّ أساليب الاتصال. يتعلّمون كل ما يلزم لمواجهة العرب إذا ما هاجموا إسرائيل. سيكونون في الخدمة في المناطق التي تنتزع من اسرائيل.”
خاتمة:
ربّما نجحت اسرائيل حتّى اليوم في اعتمادها على المستعربين. تستخدمهم في الأعمال الميدانيّة المباشرة والسّريعة. تنفّذ بهم الاعتقالات والاغتيالات وتسهّل بهم عمل الجيش. زرعتهم في عديد الدّول العربيّة ليكونوا مستعربين بمهمّات جواسيس. وتعدّهم لمستقبل، تتوقّع أن تهاجمها فيه الدّول العربيّة لتحرير فلسطين. لكن لعلّ أمرا أو بعض تفاصيل قد فاتت الاسرائليّين، أحدها انكشاف أفراد هذه الوحدة وأساليب عملهم وسعي الشباب لتطوير أساليب تقيهم الاعتقال أو انفراد المستعربين بهم. التّعاطي اليوميّ معهم، بدأ يكسب المنتفضين خبرة في التّعامل.
أمّا بخصوص المستعربين الجواسيس في البلاد العربية، فلعلّ الأمر موكول للزّمن. الثّورات في الدول العربيّة لا تزال في بداياتها، لكنّ الكلّ يُجمع على كونها بداية لتحوّلات كبيرة في المنطقة. وإن بدت ظاهريا في خدمة اسرائيل، فإنّ موجات أخرى ثورية ينبئ بقدومها التوتّر الذي يسود المجتمعات العربيّة ستكون أكثر إزعاجا للكيان. كما أنّ الفلسطينيين قد تعلّموا من دروس النكبة والنكسة والستين سنة ونيف من الاحتلال، أن لا يعوّلوا على الحكومات العربيّة التي لا تفي بما تعد وفوق هذا تظلم شعوبها فيما تدعو لتحرير فلسطين. من قال أصلا أنّ الفلسطينيين سينتظرون العرب بعد اليوم ليحرّروا بلادهم؟
اضف تعليق