نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي ** ومزّقوا كلّ أشيائي الحبيبات
خانتك عيناك في زيف وفي كذبِ ** أم غرّك البهرج الخداع.. مولاتي؟
أغنية “أنا وليلى” أو كما أسماها الكثيرون “معلقة العصر الحديث”، تجسد قصة حب من الطّراز النادر، على شاكلة قصص قيس وليلى ومغامرات عنترة وعبلة ورومانسيات روميو وجولييت. ما يلفت النظر في هذه “المعلقة” هو أنها كتبت بأنامل شخص “مغمور” في عالم الشعر العربي، إذ لم يصل إلى مسامعنا اسم حسن المرواني إلا برفقة هذه الرائعة. كان حسن المرواني شابا من أهالي الزعفرانية وكان من أسرة فقيرة، دخل كلية الآداب جامعة بغداد، فتعلق قلبه بفتاة من كركوك اسمها (سندس) والتي يشير لها بليلى كناية ً عن الحبيبة التقليدية في الشعر العربي، فتقدم لمصارحتها بحبه لكنها صدته، وما كان منه إلا أن عاود الكرّة بعد عامين فعادت ورفضته فتفجر شاعرية وكلاما من أعماق قلب جريح.
في السّنة الثالثة – وفي فترة الاستعداد للامتحانات – تقدم ضابط في الجيش لخطبة “ليلى” ووافقت فانهار حسن وكاد يجن، وكتب أول بيتين من القصيدة على لحاء شجرة الصفصاف أمام دار سندس وأهمل دراسته مدة من الزمن وتحت إلحاح أساتذته وأصدقائه وافق على العودة إلى مقاعد الدراسة بعد أن اشترط تغيير صفه الدراسي كي لا يلتقيها فيه. ألقى الشاعر القصيدة لأول مرة في نادي كلية الآداب في أواخر أبريل 1971 وكانت هي من بين الحضور وعند انتهائه من القصيدة غادرت “ليلى” القاعة وكانت قد أجهشت بالبكاء، وطالب بعدها الحضور حسن أن يعيد الإلقاء فوافق بشرط أن تعود سندس إلى القاعة، وفعلا أقنعوها وعادت وألقاها مرّة أخرى.
هذه القصيدة احتضنتها أنامل فنان هو قيصر الغناء العربي كاظم الساهر ليحولها من قصة عشقٍ وألم على ورق إلى لحن وأغنية تلامس شغاف القلب. يقول الساهر في إحدى اللقاءات التلفزيونية: أحيانا أسأل نفسي، هل أنا -صحيحٌ- من لحّن هذه الأغنية؟ فهي ليست مجرد أغنية، إنها عمل درامي بموسيقى تصويرية. ويضيف: بدأت بتلحين هذه الأغنية قبل 20 سنة وتحديدا عندما كان عمري 21 عاما. ففي فترة السبعينيات من القرن المنصرم كانت تصدر صحيفة شبابية وكانت واسعة الانتشار في الوسط الشبابي العراقي آنذاك… وكانت تحمل في صفحة خاصة إسهامات الشباب من أشعار وخواطر. وفي إحدى الأعداد تضمنت هذه القصيدة فوقعت العين الساهرية عليها. يقول الساهر: “حسن المرواني مدرس عادي للغة العربية يعمل في ليبيا وهي القصيدة المغناة الوحيدة التي كتبها. بعد قراءتي القصيدة فتشت عن صاحبها سنوات طويلة حتى عثرت عليه فقد كتبها في لحظات انفعال وهي تجربة شخصية عاشها حين كان لا يزال طالبا، وأذكر أنه حين دخلنا الأستوديو لتسجيلها قال لي: اسمع! أنا لست شاعرا. أنا مختص باللغة العربية والأدب ولكنها لحظة انفجار حدثت داخلي.”
القصة حزينة، حتّى ما بعد الأغنية. نحن لا نعرف مصير سندس لكن الأستاذ حسن المرواني مصاب بجلطتين وشبه مشلول ولديه ثلاثة أبناء. كان يسكن محافظة بغداد منطقة الدورة – الطعمة ثمّ انتقل منها.
منقول عن قناة مصطفى عيّاد على يوتيوب،
اضف تعليق