أسامحُهُم ..
إنْ بكوا كالنِّساءِ علَى قبرِ جدِّي
وسارُوا حُفاةً عُراةً معَ مَنْ يسيرُونَ ما بينَ بيتَينِ
منْ شعرِ حِقدِي
وإنْ عانقُوا ثَلجَ لحدِي لكي يدفئوا الجثّة الباردَة..
أسامحُهم ..
إنْ أتوا بالحبالِ التي شنقونِي بها كُلّ حينٍ
وإن جرّبُوا أنْ يمُوتُوا معِي ..لحظةً واحِدَة
أسامحُهم ..
إنْ أعادُوا الزمانَ إلَى شيبتِي
كيْ أعيشَ الطفُولةَ ثانيةً
أو أعادُوا المكانَ إلى غُربتِي
كيْ أرى وجهَ أمّي التي تغسلُ اللّيلَ منْ ظُلمةٍ حاقِدَة..
أسامحُهُم ..
عندمَا يُطلِقُونَ البنادقَ في وجهِ أبنائِهم ضاحِكينَ
ولاَ يرجُفُونَ
إذَا سمعُوا قبلَ أنْ تخرُجَ الرّوحَ نحوَ السّماءِ الأنينَ
ولاَ يحزَنُونَ
إذَا لم تُسجَّل على صفحاتِ المُذيعِ المسائِيّ
في نشرةِ الحُزنِ أسماؤُهم ..
وتنساوا فراغَ المقاعِدِ من أوجهِ الصبيةِ الصَّاخِبينَ
وصمتَ الصُّحون إذَا حانَ وقتُ الجُلوسُ إلى المائِدَة..
أسامحُهم..
إن أفاقَ الرّفاقُ منَ الموتِ
واسترجعُوا حقّهُم في الجلوسِ معًا في مقاهِي الغبارِ
لكي يقرؤُوا صحُفًا عَنْ غُزاةِ الدِيارِ
ويقتسمُوا عُمرَ سيجارتينِ
ويرتشفُوا قهوةً مرّةً
رافِضينَ الرّجوعَ إلى بيتِ شعرٍ
سأكتُبهُ في ختامِ النهار
عنِ الجُثثِ الهامدَة..
أسامِحُهم ..
يومَ تُنهِي العَجوزُ قميصَ الفتَى -وهو طفلٌ تعلَّقَ في ذيلِ ليلٍ وغابَ- فيأتي إليها
ويُلقِي ورودَ الحنينِ على ركبتيهَا
ويلبسُ أثوابهُ ثمّ يمشِي الهوينَى
على درجٍ من سحابٍ إلى اللهِ بينَ ملائِكَة ساجِدَة..
أسامِحُهم ..
حينَ يأتُون لِي بالغريمِ
الذِي كانَ يحضنُنِي كالصَدِيقِ
ويجعلنِي ضوءهُ كُلّما غامَ وجهُ الطَريقِ
فلّما اقرتبنَا وأتعبنَا الرّكضُ خلفَ السّرابِ
احتمَى بِي كما تحتمِي عشبةٌ مِنْ رياحِ الشتاءِ بجذعِ صنوبرِة
وفي غفلتي استّلَ سكِّينهُ
ثمَّ مزَّقَ ظلِّي
وخلّفنِي فِي دمِي كالغَريقِ
ليشفي نزوتهُ الحاسِدَةْ
أسامِحُهم
مثلمَا سامحَ اللَّهُ مَنْ قتّلوا الأنبياءَ
أذلّوا الرّجال
استباحُوا النساءَ ؟
أنا لستُ ربًّا لأملأ جُرحِي ملحا وعيني تُرابًا
وأحقنَ حبرَ القصيدَةِ عنْ طلبِ الثأرِ
منْ هذهِ العُصبةِ الفاجِرَة
فإنْ مُتَّ قبلي
فسّلمْ علَى أهلنَا الطيّبينَ
وسّلم على اللّهِ والأنبياءِ و أبلغ أبا ذرّ
أنّي أخُوضُ مُباراتَنَا الخاسرَه
وإن مُتُّ قبلَكَ
فادفن معي البُندُقِيَّة
إنّي سأكملُ معركةَ الثأرِ فِي الآخِرَة..
اضف تعليق