لم أقتنع يوما أنّ السوائل الساخنة حلّ لحالتي النفسيّة. مفعول الحرارة عكسيّ، لا يخفّف الحالة بل يزيدني وعيا بها. هي بعد كلّ شيء وبعيدا عن السوائل حالة تتحد فيها نساء الكوكب ما عدى استثناءات قليلة يرتبط معظمها بالسنّ. كنت أعتقد في طفولتي أنّي سأكون أكثر فرادة من غيري من النساء. لطالما تخيّلتني بلا ثديين، أحيانا أخرى سرحت بخيالي لأرسم الجزء بين صدري وخصري دون رحم. أسمع النساء يتحدّثن عن الأرحام والحمل والأطفال ويعجز عقلي الطفولي عن تخيّل شكل الرحم واستيعاب أن يكون طفل كامل حيّا يتنفس داخل شيء يسمّى رحما يوجد تحت جلد البطن. لم أستسغ يوما وأنا الطفلة الأقرب في سلوكي للأولاد أنّي سأصبح مثل أمّي وغيرها من النساء. رجّحت أن لا ينمو صدري وأن لا يزورني ذلك الكابوس الشهريّ الذي زار صديقاتي في سنّ الثانية والثالثة عشر. أفرحني أن لم يحدث لي ما حدث لهنّ وظننتني نجوت.. نجوت من الدورة الشهرية وهمومها.
عرض شارع بعنوان “دم الحيض” نظّمته مجموعة ناشطات لكسر “تابو” دم الدورة الشهرية، في شوارع إسبانيا.
أذكر أنّنا مرّة في طريق العودة من المدرسة، ثلاث فتيات، نتحادث. أكبرنا أخبرتنا أنّها قد أصبحت بالغة وأنّها ستصوم رمضان القادم. فخورة كانت وهي تخبرنا، لكنّها فعلت بصوت خفيض رغم أننا نسير في طريق مقفر بين الحقول. خطفت الكلام منها وأخذت أركض وأقفز وأصرخ “جاتها الدورة الشهرية ، جاتها الدورة الشهرية” غضبت منّي ونهتني عن الصراخ ولم أمتثل حتى تجاوزتهما بمسافة. احمرّ وجهي وشعرت بالخجل لأنّي أحرجتها. اعتذرت منها وحاولت إقناعها بألّا أحد سمعني وأنني لم أقصد أن أوذيها. لم يطل غضبها، ولكنّي لا أزال أذكر قولها “فضحتيني”. حمدت نفسي في سرّي أنّي نجوت من هذه الفضيحة وأنّي لا أزال أستطيع الركض والشغب وفعل ما أريد، على عكسها. ظننت أنّ هذي الحالة تجعلنا أقلّ حريّة وعرضة للسخرية لفقداننا الحركة المنطلقة والحق في اللهو الطفوليّ. وهذي كلّها أفكار رسّخها المجتمع الذكوريّ الذي يجعل الدورة أمرا مخجلا يجب إخفاؤه.
مجموعة صور نشرتها Rupi Kaur على حسابها في انستجرام، قام الموقع بحجبها مما أثار جدلا كبيرا على مواقع التواصل.
ولدت إنسانا. ربّاني أبي أقرب لفتى وكبرت لأحاسب وفق معايير أعدّها المجتمع للفتيات. استسلمت لحقيقة أنّ لي ثديين وأنّ لي رحما وجهازا تناسليّا مختلفا عن الرجال. وها أنا بعد أربعة عشر سنة من البلوغ، أتأقلم مع القرف الشهري الذي يفترض أن يسهم نتاجه يوما ما في خلق كائنات بشريّة. وأظنني أتشارك مع نساء الكوكب في المعاناة الشهرية من الدورة الشهرية، جسديّة ونفسيّة خاصّة وأنّ من حولنا من الرّجال غالبا ما لا يدركون ما نشعر به وما نمرّ به خلال تلك الفترة من كلّ شهر، كما أنّ دم الحيض يعتبر أمرا مثيرا للاشمئزاز يفترض أن تخجل منه المرأة إذا ما ظهر. حتّى أنّه ارتبط في ذهني بسؤالي لصديقتي: “سيري خلفي وتثبّتي، هل يظهر شيء ما -المقصود به دم الحيض- على ملابسي؟”
تخيّل لو أنّ الرجال يتقزّزون من الاغتصاب كما يتقززون من الدورة الشهرية!
تبدأ أعراض الدورة الشهرية قبلها بأيام بتغيّرات في المزاج والمعاناة من أوجاع بالنسبة للعديد من النّساء. تتراوح تعكّرات المزاج من الاكتئاب إلى الغضب حتّى الهستيريا والسبب فيها هو هرمون الأوستروجين. الآلام المرتبطة بالدورة الشهرية نوعان: الاحتقاني/Congestive ويكون قبل نزول الطمث بأيام قليلة بسبب احتقان الرحم بالدم واحتقان الجسم بالسوائل وينتهي مع نزول الدم. والتقلصي/Spasmodic الذي يكون أثناء نزول الدم بسبب تقلص عضلات الرحم وينتهي مع انتهاء الانقباضات العنيفة. تعاني بعض النساء من نوع واحد وللأسف تعاني نساء أخريات من النوعين مع اختلاف في شدة الألم طبعا.
ينصح بالتقليل من الملح والامتناع عن تناول السكر والتقليل من الكافيين، فكلاهما يزيد من حدة أعراض الدورة الشهرية. كما يوصى أيضا بزيادة نسبة الفيتامين B6 بتناول أقراص أو بإضافة المزيد من البقول والخضر والخبز الكامل والحبوب في الوجبات، الزنك والماغنيزيوم بتناول المكسرات والحبوب الكاملة والغلال والخضر، مع الاهتمام بالوزن وممارسة الرياضة بانتظام دون مبالغة. الشاي، الزنجبيل، التوت، البابونج والشمر تساعد في علاج التقلّبات المزاجيّة الناتجة عن الدورة الشهرية.
“تناضل” المرأة فعليّا أثناء هذه الفترة للسيطرة على التغيّرات التي تطرأ على حالتها النفسية والمزاجيّة لذلك يجب أن يراعي من حولها هذه الظرفية الشهريّة التي تمرّ بها دوريّا. يقول د. هاني الزغندي في تفصيل حالة المرأة أثناء فترة الحيض: “يأخذ تغيّر المزاج ثلاثة أشكال، العصبية الشديدة، الكآبة والبارانويا أو الشك المفرط. تكون غالبا أسباب ظهور عديد المشاكل خاصة حين تكون المرأة مرتبطة، متزوّجة وأمّا. لذلك، يجب أن نتفهّم أنّ التغيّر الذي يطرأ على النساء مردّه بنسبة كبيرة تأثير الدورة الشهرية، ونتعامل معهنّ على هذا الأساس في تلك الفترة. المطلوب من الطرفين في العلاقة أن يعيا أنّ ما يمرّان به أمر عارض ينتهي بانتهاء مسبباته، ولا يتخيّلا خطأ أنّه جزء من شخصيّة الطّرف الآخر.”
من اليسار إلى اليمين: 7 أيام قبل الدورة الشهرية، 3 أيام قبل الدورة الشهرية، يوم قبل الدورة، الشهرية بعد الدورة الشهرية.
المصادر:
اضف تعليق