إذا كنت واحدا من التسعين مليون شخصا الذين يعيشون في مصر، فستفهم كلامي جيدا. وربّما تتعجب أيضا لأنّك لم تلاحظ بعضا من تلك العادات أو العاهات -سمّها كما تشاء- البسيطة في تعاملاتك اليومية. بعد الفحص والبحث وسؤال الأصدقاء من مختلف البلاد اكتشفت أنّ هناك بعضا من تلك العاهات التي لا نشترك فيها مع أيّ من سكّان الكرة الأرضية خارج “مِصرِنا”. هناك أيضا إحقاقا للحق، بعض من العاهات التي نشترك فيها مع بعض البلدان العربية التي ليست في حال أفضل بكثير من حالنا.
على أيّ حال، سأتناول في مقالي هذا عاهة جديدة “منفردة”، محاولا أن أطرح الأسئلة التي درات في ذهني عندما حاولت أن أجد تفسيرا منطقيا لها. وما الذي حوّلها في أذهاننا من مرحلة العاهات إلى مرحلة العادات التي نسلّم بها ونتلفّظ بها أو نفعلها دون التفكير في ما إذا كانت صحيحة أم لا؟
المهمّ أخلاقه!
المشهد الأول:
أمّ العريس (المحتمل) : ابننا لن يبخل بشيء على عروستنا وسيفعل كل ما يستطيعه لإسعادها.
أب العروس: يا “افندم” هذي الأمور بالنسبة لنا شكليّات، “المهم أخلاقه”. نحن كما يقال “بنشتري راجل”، من المؤكدّ أنّنا لن نختلف.
أمّ العريس : هذا مؤكّد، لكنّنا رغم هذا يجب أن نضع النقاط على الحروف، الاتفاق منذ البداية ضروري.
أب العريس: طيب، طالما أنّكم مصمّمون، فلنتكلّم إذن. نحن لن نطلب ما يعجز عنه عريسنا، نعلم أنّه لا يزال في أوّل مشواره. لسنا نطلب غير الضّروريّات، وهي كالتّالي …
——
كم مرة سمعنا تلك المقدمات الجميلة المشجّعة وربما نكون عايشنا إحداها شخصيا. نحن في الغالب نعرف أنّ ما بعد كلمة “كالتالي” هو الذي سيحدد إذا كانت ستتم هذه الزيجة أم لا. الزواج في مصر أصبح بالنسبة للكثير من الشباب حلما يكاد يكون من المستحيل تحقيقه. وهنا أتحدث عن شاب قد أنهى للتو تعليمه وبدأ حياته المهنية كأي شاب في سنه على وجه الكرة الأرضية. ولكن الزواج في مصر تطوّر خصوصا في العشرين عاما الأخيرة، ليكتسب صفات ومتطلبات غريبة وعجيبة. ومع الوقت، تحولت هذه العجائب والغرائب إلى مسلّمات لا يمكن أن يتمّ الزواج بدونها. ولكي أبتعد كل البعد عن الكلام “اللي لا بيودي ولا بيجيب” فقد قررت أن أحسبها معك عزيزي القارئ “بالورقة والقلم” كما يُقال:
- الشّبكة:
ينبغي أن لا تقل عن 15.000 جنيه (إذا كان الأب متسامحا) وإذا كنتَ سيّئ الحظ، فستكون بقيمة 20.000 جنيه لأنها “مش هينفع تبقى أقل من بنت خالتها” التي “شُبكت” بنفس المبلغ تقريبا. - المهر:
ربّما 5000 جنيه وربما أكثر. هنا يمكنك الإعتماد على والد الفتاة أو من الأفضل أن تسأل مقدّما عن ابنة خالتها، حظا سعيدا جدا مع ذلك.
- حفل الخطوبة:
من الممكن أن تكون في نطاق الـ 5.000 جنيه أو أزيد. هذا يعتمد على المكان الذي تنوي العائلتان الاحتفال فيه.
- “الفرح”:
يبدأ من 10.000 جنيه وصولا إلى 20.000 أو أكثر وهذا يعتمد على القاعة والـ DG وموائد الطعام وأنواعه.. إلخ
- شهر العسل:
هو في الغالب أسبوع أو اثنان في أي مكان لطيف، الغردقة أو شرم الشيخ على الأقل. وهنا نتحدث ربما عن حوالي 5.000 جنيه أيضا.
- مصاريف الهدايا والمواسم أثناء فترة الخطوبة:
تتراوح ربما بين 5.000 الى 10.000 جنيه حسب مدة فترة الخطوبة.
- الشقة:
سنعتبر أن والد العروسة شخص أفلاطوني مثالي وافق على شقة إيجار جديد وهنا تسقط تكاليف الشقة.
- “فرش” الشقة:
إذا كنت محظوظا في النقطة السابقة فلا تعتقد أنك ستنال نفس النصيب من الحظ هنا. ففرش الشقة وتوضيبها هو شرط أساسي لأي زيجة وهنا نتحدث عن ما يتراوح بين 30.000 إلى 50.000 بما في ذلك “النيش والسفرة” اللذان لا يمكن أن يتم الزواج بدونهما.
الآن عزيزي القارئ إذا جمعنا تلك الأرقام معا مع الأخذ في الإعتبار أنني سأعتبر المتوسط منها وليس الحد الأقصى. وبناء عليه، سيكون المبلغ الذي يحتاجه الشاب الذي بدأ للتو حياته كشخص مستقل كالتالي:
15.000+30.000+5.000+5.000+10.000+5.000+5.000 = 75.0000 جنيه مصري
السؤال هنا: هل نتوقع فعلا أن في مقدور شاب حديث التخرج أن يجمع هذا المبلغ مع العلم أنه قلما يوافق الأب على زواج ابنته في شقة بإيجار جديد، وهنا من الممكن أن نضيف من مائة إلى مائتين وخمسون ألف جنيه على المبلغ السابق؟
الجواب هو “لا” بالطبع . ولكن هل المغزى من مقالي هذا هو نشر حالة الإحباط بين الشباب؟ أيضا ل”لا” بالطبع.
ما الذي جعل هذه الأمور مسلّمات لا تتم بدونها أية زيجة؟ لماذا يبالغ الآباء في هذه المطالب للموافقة على زواج بناتهم؟ وهل فعلا يضمنون بذلك مستقبل بناتهم؟ وهل بذلك يضمنون أنّ هذا الشاب لن يسيء معاملة ابنتهم مستقبلا؟
الإجابة متروكة لكم.
ما الذي سيحدث إذا وافق الأب على زواج ابنته بدون الحاجة إلى “شبكة” ومهر؟ هل هي فضيحة حقا؟ ما الذي سيحدث إذا بدأ الزوجان حياتهما في شقة مستأجرة؟ ما الضرر من الاقتصاد في شراء الأثاث والاكتفاء باللوازم فقط؟ ما الحاجة إلى موائد الطعام الفارهة التي يرمى نصفها غالبا بعد ذلك؟
إن الهدف الأساسي من الزواج لم يعد حبا بين شخصين واحترامهما لبعض واتخاذ قرار لقضاء بقية حياتهما معًا، أصبح أيضا اتفاقات بين عائلتين وعقود وقوائم وشيكات وديون يستمر الزوجان في تسديدها سنوات بعد الزواج. كما أن ارتفاع نسبة التحرش ويوازيها أيضا ارتفاع نسبة العنوسة ماهي إلا نتائج حتمية لتأخر سن الزواج بسبب انشغال الشاب بإهدار سنوات شبابه في جمع المال اللازم للزواج وهنا قد يكون الشاب قد جاوز الثلاثين وأكثر أو بمعنى أوضح لم يعد شابا من الأساس.
المشهد الأخير:
والد العروسة: ألو.. نعم يا ابني، نحن نعتذر لك لكننا نريد أن نأمّن مستقبل ابنتنا. ومن المؤكّد أنك ستتفهم شيئا كهذا. أستئذنك، “تعال خذ شبكتك” كلّ شيء “قسمة ونصيب”.
الشبكة: المصوغ أو الحلي التي تقدّم للعروس.
النيش: الخزانة التي توضع فيها أطقم الأواني.
الفرش: أثاث البيت.
الفرح: ليلة الزواج.
[…] والاغتصاب. وهنا مقال يتناول هذه النقطة بالتحديد: “عاهات وتقاليد: المهم أخلاقه“. إلا أنّي أرى أيضا أنّ انفصال الشباب في سن الثامنة […]