لا أظنّك تصادف الصّورة دون أن ترتسم على وجهك ابتسامة واسعة، بحجم البهجة التي على وجوه الأطفال فيها. يتسرّب إلى روحك فرح طفوليّ محبّب، نفتقده كثيرا ونحنّ إليه. إنّها عدوى الفرح التي ينقلها الأطفال دون جهد ودون قصد حتّى، والصورة قد نجحت في اقتناص اللحظة وتخليدها لتنتقل لكلّ من يشاهدها.
عيون كثيرة تحدّق فيك، عيون لامعة تضجّ حياة. وابتسامات بل ضحكات بلا احتساب تحيط بك، لتملأ فضاء الصورة. يحمل الأطفال في أياديهم إطارا، البعض يحاول أن يظهر ضمنه والبعض لا يهتمّ به بقدر انغماسه في الضّحك. ربّما هي بهجة الوقوف أمام آلة التصوير، أو هو المكر والعبث الطفوليّ الذي لا يضيع فرصة للابتهاج والمرح.
الخلفية الرماديّة في تناقض مع الإطار الأبيض الذي ليس إلّا ظلفة نافذة قديمة بلا بلّور، قد تكون من أنقاض بيت سقط في أحد أيام القصف في غزة، ملابس الأطفال الملوّنة تناقض الرماديّ والأبيض فتشدّ انتباه المشاهد، والصورة ككلّ أو الحالة التي تخلّدها الصورة تناقض كلّ ما قد يخطر ببالك إذا ما فكّرت بالمكان الذي التقطت فيه، غزة.
براءة الأطفال، عدم الاهتمام بتنسيق هندامهم وتجميلهم، هذا النّقل الجميل العفويّ لحالة بهجة عارمة هو تحدٍّ فلسطينيّ جديد للحصار، للحرب، للدمار. إنّهم قادرون بعد على الفرح، بل إنّهم يبثّونه فينا. الوضع العامّ في فلسطين، لا يتناقض والعمل الفنيّ. والمصوّر الفلسطيني خارج إطار القضيّة فنّان، فقط فنّان يحوز الإعجاب والتكريم لأنّه مبدع قبل كلّ شيء.
الصورة للمصوّر الفوتوغرافي الفلسطيني فادي ثابت، توّجت أوّل أمس بالمركز الأوّل في محور التّأطير ضمن فعاليات مسابقة “وطني الأكبر” للتصوير الفوتوغرافي على مستوى العالم العربي التي أقيمت في مصر. وقد استلم الجائزة نيابة عنه، حسام مناديلي. كنت اعتزمت منذ فترة، نشر مقال عن أعمال أخرى له، لكن تشاء الصّدف أن يكون المقال عن تتويج له لن يكون الأخير الذي يتناول ما يقدّمه.
في تعليقه على الصورة وشرح أسباب فوزها بالمركز الأوّل يقول ممثل لجنة التحكيم: “بالنسبة للعالم الصورة هي لحظة أثارت شيئا في عقلك أو في وجدانك أو الاثنين معا. وهو ما يعبّر عنه بـ visual attraction/visual appeal النداء البصري/الشدّ البصري. فما لم يوجد سبب يجذب المتلقي، يعتبر العمل ضعيفا. يرفضه المخّ لأنه إذا ما قارنه بالمخزونات البصرية سيجد أنّه لا يوجد سبب ليقف عنده ويأخذ من وقته.
الصورة تقيّم بالثلاث ثواني الأولى، فإذا توقّفت عندها، هذا يعني أنّ فيها شيئا ما. وبالنسبة لهذه الصورة، توجد أكثر من نقطة شدّ. أوّلا، الطفل سبب للنداء البصري إذ أنّه يجذب بصر المتلقي. ثانيا، الحالة النفسيّة للأطفال تزيد من قوّة النداء البصري. أن تحصل على مجموعة أطفال في ابتسامة طبيعيّة ليس أمرا سهلا. فالأطفال يتفاعلون حسب مزاجهم، لا يمكن أن توجّههم. قد تقول للطفل اضحك فيعبس وقد يتجاهلك ولا يعيرك انتباها. أضف لذلك أنّ هناك مشتركا بين كلّ الأطفال في الصورة، هم مجموعة لكنّ الابتسامة والروح واحدة، كأنّهم شخص واحد.
استعمال الإطار، نقطة أخرى مميزة في الصورة. الطفلة فوقه، الطفلة التي على يساره -رغم أنها ليست منتبهة-، الطفلة ذات الضحكة الواسعة وسط الإطار.. كلّ الأطفال بشعرهم وبهجتهم و”شخبطتهم” حالة نقية، راقية، جميلة خاصة مع استعمال لون الإطار الأبيض وحجمه الصغير متناسق جدا مع الحالة المزاجية والنقاء الطفولي. صورة دسمة، غنية بالألوان والتكوين. هذا العمل كوكتيل جميل جدا حاز على إجماع اللجنة.”
اضف تعليق