فيلمٌ أمريكيٌ رائع -وما أروعهم في التمثيل!- لا أدري لمَ وأنا أشاهده شعرتُ أنني أشاهد الواقع المظلم الذي تعيشه معظم شعوب العالم!
الفيلم يتحدّث عن شركةٍ قامت بوضع مجموعة من الشبّان في مكانٍ اسمه (غليد – Glade) بعد أن أفقَدَتْهم ذاكرتهم وذلك لتتعرّف على أذكاهم وتستخدمهم في الحفاظ على البشرية! وهذا المكان يتوسّط متاهةً ضخمةً تتغيّر كل يوم. كل يومٍ تُفتَح أبواب المتاهة صباحًا وتُغلق عند الغروب. وعلى الفتيان أن يركضوا كل يومٍ ليجدوا مهربًا من هذه المتاهة. توماس (Thomas)، وهو فتىً في السادسة عشرةَ من عمره وصل إلى غليد وهو لا يتذكّر أي شيء. وبدأ بدخول المتاهة ودراستها ليجد مخرجًا. غالي (Gally)، وصلَ إلى غليد منذ ثلاث سنوات، وهو شبه زعيمٍ للشباب الموجودين معه. غالي أيقنَ تمامًا أنه لا يمكن الخروج من المتاهة، وظلّت هذه الفكرة في رأسه حتى أصبحت عقيدةً في نظره، وحاول إقناع الآخرين بها!
عندما جاء توماس بدأ بالبحث عن مخرجٍ بطرقٍ جديدة سبّبت بعض المشاكل للشُبّان معه، وتسبّبت بمقتل بعضهم، لكنه يرى أن هذا ثمنٌ مناسبٌ للخروج من هذا المأزق ! كان قد مضى على توماس ثلاثة أيامٍ فقط على وصوله، وثلاثة سنواتٍ على غالي الذي استغلّها فرصةً ليتّهم توماس بالتهوّر، وكررَ نفس اسطوانته : لا يمكن الخروج من المتاهة !
في النهاية نجح عددٌ قليلٌ من الشبان بالخروج من المتاهة بعد أن انقسموا إلى فريقَين، فريقٌ مع توماس، وفريقٌ مع غالي، الذي لحقَ الشُبّان وخرج من المتاهة، ولكنه لحقَ بهم ليقتل توماس الذي خرق القواعد دائمًا! ورغم أنه لم يعد يفصل بين غالي وبقية كوكب الأرض سوى بوابةٌ واحدة، إلا أنه رفضَ الخروج، وظل متمسكًا بمعتقده : لا يمكن الخروج !
الواقع المظلم لشعوب ما يُسمّى بالعالم الثالث الذي أتحدّث عنه هو نفسه قصة الفيلم، فتوماس يمثّل كل الأشخاص الذين يريدون النهوض بهذه الأمم، ويسعون بكل قوتهم لإخراج أممهم مما هي فيهِ من ذلٍ وهوان. طريقتهم قد تبدو خاطئة، قد تبدو خارجةً عن القوانين، قد تسبّب ضياعًا في الأرواح والأموال، قد تأخذ وقتًا طويلًا، لكنها الطريقةُ الأضمن للعزة، وعلينا أن ندفع ضريبة العزة من دمائنا ولحومنا !
غالي يمثّل غالبية هذه الأمم! يعتبرون مثلًا قصص الفتوحات الإسلامية مجرد “حواديت”! ويعيشون واقع القهر الحضاري أمام التفوّق الغربي، ويظنّون أننا لن نتمكّن مطلقًا من التقدّم. وهم نتيجة ذلك القهر الحضاري ظنّوا أن التقدّم والتحضّر يعني بالضرورة تقليد الآخرين، فيما المعنى الصحيح للتقدّم والحضارة هو الوصول لدرجة استقلالٍ بما يتناسب مع عقول وعادات بلداننا. لا يمكننا مطلقًا الخروج من هذا الواقع، فالعقيدة عندهم أصبحت أننا أمةٌ ذليلةٌ وهذا طبيعي! وعندما يأتي الثائرون ليخرجونا من الواقع الذي نعيشه فإننا نتّهمهم بشتى التهم : خارجون على القانون، يحلمون بالتحرر، يجلبون الويلات على الأمة، متشددون.. إلــخ.
بالنسبة لنا كمسلمين، فإن أي عملٍ يرفع من قيمة المسلمين نسعى بسرعةٍ إلى نسبته لأي طرفٍ آخر! فالمسلم دائمًا غبي، ولا يمكنه مطلقًا التفكير، ويجب عليه أن يظلّ مستعبدًا للشرق والغرب، فلا يمكن الخروج من هذا القيد أبدًا ! سنظل مجرد أغبياء مجانين لا يمكننا استعادة عزّتنا وكرامتنا، كُتبَ علينا الذُّل والغباء! وسيظل الثائرون أداةً بيد غيرنا لتمرير مشاريع!
لقد عانى جميع الثوّار الأحرار من هذه الشريحة الواسعة الوجود في شعوبهم، مالكوم إكس، جيفارا، وبن لادن. لقد ارتكبوا أخطاءًا بالطبع لأنهم يعملون، ولا عمل يخلو من أخطاء. لكنهم في نهاية المطاف منتصرون.
لمن يساورهُ الفضول؛ فإن غالي عندما صوّب مسدسه نحو توماس قام أحد الفتية بطعنه بحربة، وقام آخر بالقفز أمام توماس ليتلقّى عنه الرصاصة، وتلقّاها! وهذا ما يحصل من حاضنةٍ شعبيةٍ للثائرين!
اضف تعليق