إذا كنت واحدا من التسعين مليون شخصا الذين يعيشون في مصر، فستفهم كلامي جيدا. وربّما تتعجب أيضا لأنّك لم تلاحظ بعضا من تلك العادات أو العاهات -سمّها كما تشاء- البسيطة في تعاملاتك اليومية. بعد الفحص والبحث وسؤال الأصدقاء من مختلف البلاد اكتشفت أنّ هناك بعضا من تلك العاهات التي لا نشترك فيها مع أيّ من سكّان الكرة الأرضية خارج “مِصرِنا”. هناك أيضا إحقاقا للحق، بعض من العاهات التي نشترك فيها مع بعض البلدان العربية التي ليست في حال أفضل بكثير من حالنا.
على أيّ حال، سأتناول في مقالي هذا وربما مقالاتي القادمة أيضا تلك العاهات “منفردة” محاولا أن أطرح الأسئلة التي درات في ذهني عندما حاولت أن أجد تفسيرا منطقيا لها. وما الذي حوّلها في أذهاننا من مرحلة العاهات إلى مرحلة العادات التي نسلّم بها ونتلفّظ بها أو نفعلها دون التفكير في ما إذا كانت صحيحة أم لا؟
“الجمـــاعـــة”
قد يظنّ القارئ أنّني سأتحدّث عن جماعة الإخوان المسلمين. فهذا الاختصار رائج جدّا، وهو أوّل ما يخطر على الذّهن خاصّة وأنّ الإطار العام مصريّ، لكنّ الأمر غير هذا تماما.
” قوم يا حسن نادي على الجماعة! ” إذا لم تكن مصريا، فستقف مندهشا لبعض الوقت لا تدري من هم “الجماعة” الذي ينبغي عليك مناداتهم. أما إذا كنت مصريا فأنت في أغلب الأحوال تعرف جيدا أنّها “الزوجة” التي ينبغي عليك أن تناديها . الزوجة في مصر يتمّ محو اسمها تمهيدا لمحو شخصيتها بالكامل بعد الزواج، ومن ثمة تحصل على اللقب المعروف ” الجماعة”. ولا أدري في الواقع ما السبب وراء ذلك؟ أو ما الحكمة من منادتها بالجماعة بدل من اسمها الذي أطلقه عليها أبواها يوم ولادتها والذي ربما تفخر وتعتز به؟
هناك سؤال آخر يراودني كلما سمعت لفظ ” الجماعة” ألا وهو، لماذا نطلق على الإناث أسماء من الأساس؟ لماذا يكلّف الأب والأم نفسيهما عناء التفكير في اسم البنت ومن ثمّة الذهاب للسجل المدني وإنهاء كل تلك الأوراق؟ ففي النهاية ستكون ” الجماعة ” شئنا أم أبينا!
الأدهى من كل ما سبق هو أنّ بعض الإناث لم تستحق حتّى أن تنادى بالجماعة، بل في كثير من المواقف تنادى المرأة في مصر باسم الزوج أو الأب. من ذلك مثلا: “عملتي الشاي يا أشرف؟” أو “حضرتي الأكل يا محمود؟” وهنا يجب أن نقف طويلا متسائلين لماذا لا نسمّي الإناث بأسماء ذكور فور ولادتهن وتكون بهذا قد “اتحلت المشكلة”؟!
يصل الأمر إلى أكثر من ذلك، حيث أنّ معرفة اسم الأم أو الأخت في مصر يعدّ نوعا من أنواع الإهانة الكبرى للذّكر عموما. وأنا أتذكر جيدا عندما كنا في المدرسة نملأ جميعنا أوراق الالتحاق بالثانوية، كيف كان كلّ منّا يحاول أن يخبّئ خانة اسم الأم حتى لا يراه أو يعرفه زميله الجالس بجواره، فتكون تلك الفضيحة الكبرى لذلك الطالب الذي عُرف اسم أمّه. وكم من مشاجرة حدثت فعلا بين كثير من الطلاب لنفس السبب. أمّا إذا كنت تمشي بجوار أختك في الشّارع وتجرّأت لا سمح الله على خرق تلك “العاهة” وناديتها باسمها “كده حاف”، دون أن تنتبه فـ”يا ويلك يا سواد ليلك!”. ستصبح عندها في نظر المارّة “مش راجل” وربّما سمعت أحدهم يؤنبك أو يطلق ضحكة سمجة. وحينئذ ستدخل في مشاكل ومشاحنات لا تنتهي.
بكل صراحة، لا أرى أي حكمة من هذه العادات سوى المزيد من قمع الأنثى في مجتمعنا، حتّى وإن كان قمعا معنويا، ومزيدا من طمس معالم هويّتها وشخصيتها لتُحرم في النهاية من أبسط حقوقها وهو أن تُنادى باسمها الحقيقي دون الحاجة إلى “الجماعة أو أشرف أو محمود”. كما أن هؤلاء ممن سيضفون على الأمر غطاء دينيا -كالعادة- لن يتمكنوا من تبرير هذه العادة، فلماذا نعرف وننطق أسماء زوجات الرسول وبناته بكل حرية وبدون أن نشعر أنّه “عيب”؟ ولماذا لم نسمع عن أي حديث نادى فيها الرسول على زوجاته بالجماعة أو محمد مثلا؟
في النهاية، هي فعلا “عاهة” لا أدري إذا كان المصريون سيحتفظون بها إلى الأبد أم لا. سنرى!
اضف تعليق