في حديثنا التونسي المتداول نسمي المكتب الذي نجلس عليه “بيرو” وفي الإستعمال عموما نقصد بكلمة “بيرو” أو “مكتب”، الإدارة التي يكون فيها عدة مكاتب وعدّة موظفين يجلسون على هذه المكاتب. مكتب البريد مثلا يعني تلك الإدارة التي تضم جميع الموظفين الذين يعملون بها، من المدير إلى أصغر موظف. ينتظم عمل هؤلاء الموظفين في إطار سياسة مرسومة لهم ويخضعون للقوانين واللوائح التي تحدد سير عملهم. هم الذين يتمتعون بنفوذ، و ليس لهم دور في توجيه سياسة الحكم. إطار فعلهم ينحصر في تنفيذ التوجيهات التي تصدر لهم من الجهات العليا في الدولة. في الحاضر تحول هذا الدور عبر نشأة ظاهرة “البيروقراطية” -التي تتمثل في اكتساب الموظفين الجالسين على المكاتب- لنفوذ سياسي حوّلهم إلى قوّة لها أثرها الكبير في إدارة شؤون الحكم و توجيهه. هنا يطرح سؤال جوهري كيف اكتسبت البيروقراطية قوتها السياسية؟
في القرن العشرين و مع تضخم الصناعة ظهر نفوذ رجال المال. وأصبح معه رجل السياسة خاضعا لأوامر الرأسمالي الكبير. مرحلة حسمها صعود التيار الإشتراكي في عدة دول للتخلص من سيطرة رجال المال على الحكم. من طبيعة النظم الإشتراكية أن تتدخل الدولة في كثير من مرافق الحياة الإقتصادية والإجتماعية. وبذلك تتضخم أجهزة الدولة وينمو عدد موظفيها ويشرف كثير من هؤلاء على مشاريع حيوية. من المفروض أن الموظفين وهم يقومون بهذه الأعمال الخطيرة، إنما يطبقون مبادئ و برامج مرسومة لهم. لكن يحدث إذا ما تهاونت الدولة في وضع رقابة دقيقة على هؤلاء الموظفين أن يتحولوا إلى قوة مسيطرة تستفيد من وضعها وإشرافها على جميع مرافق الحياة، لتكتسب نفوذا سياسيا خاصا بها. عندئذ تظهر البيروقراطية كطبقة جديدة في المجتمع، تقوى وتشتد وتستغل لحسابها الخاص الأعمال التي تقوم بها.
اضف تعليق