من عادة الأفلام الرومانسية، خصوصا في السنوات الأخيرة، أن تقدم لنا تلك القصص الاستثنائية التي تجعلها جديرة بالقص. ربما لأن قصص الحب واحدة و لا تختلف مهما تنوع القالب القصصي : شخصان متحابان رغم الصعوبات و العراقيل. و يبدو أن خلق الرومانسية في عالم طبيعي لا تحدث فيه أشياء استثنائية، بات هو الاسثناء.
أذكر المعلقة الفرنسية لرائعة وودي آلن الشهير Annie Hall، كانت تقدم الفيلم على أنه Presque une histoire d’amour أي ما يكاد أن يكون قصة حبّ. تبدو لي العبارة أنسب ما يكون لهذا الفيلم الجميل لصوفيا كوبولا المسمّى : Lost in Translation أو ما ضاع في الترجمة (2003).
ومثلما تبدأ أجمل القصائد بالتشبيب، يبدأ الفيلم بأجمل شيء ممكن في تلك الفترة. تنهض الشابة الفاتنة ـ آنذاك ـ سكارلت جوهانسن من فراشها حاملة فتنة العالم كله إلى شباك غرفة فندق في طوكيو، لتبدأ قصة البحث عن ترجمة ملائمة للقول، عن أرضية تفاهم بين ثقافتين بدا أنهما خطان متوازيان.
شارلوت الفتاة الفاتنة الصغيرة التي تمثلها سكارلت، تأتي إلى طوكيو مع زوجها المصور الفوتوغرافيّ اللامع، لتجد نفسها وحيدة و معزولة في مدينة لا تفهمها. في نفس الوقت الذي يحط فيه الممثل الكهل المعروف بوب (بيل موراي) الرحال في نفس الفندق، لآداء إشهار تجاري في طوكيو. يجد الرجل نفسه في دوامة الوحدة و العزلة ذاتها التي فيها شارلوت. لم يكن لقاؤهما في الفندق إذا صدفة بقدر ما كان حتميا…
SPOIL ALERT
لا يوجد أمر استثنائي هنا، كان بوب كهلا يعاني من أزمة منتصف العمر، لم يهرع إلى طوكيو من أجل المليونين اللذين عرضا عليه نظير إشهار تجاري سخيف، بقدر ما كان يبحث أن يفر من واقعه. أما شارلوت، فكانت تعاني من أزمة شك بخصوص زواجها، زاد غياب زوجها لدواعي العمل من حدته. و بقدر ما كان بوب هاربا من واقعه، يبدو أن شارلوت كانت تفضل المواجهة.
لا يوجد أمر استثنائي هنا إلا ما لم يحصل : لم يحصل شيء في الواقع! لم يعترف لها بحبه، لم تفكر في ترك زوجها من أجله، لم ينهمكا في حماقة من أي نوع، لكن المشاهد يعلم تماما أن ما كان يدور في الأذهان مخالف تماما، هناك كل تلك العوارض التي يبديها فقط متحابان يخفيان حبهما. هناك تلك اللعثمة، هناك احترام للمسافات، و خوف من رفع الكلفة، هناك الارتباك و التفكير الدائم في الآخر، هناك الغيرة، و العتاب، هناك كل تلك الأشياء السخيفة و الضرورية لاكتمال قصة الحب، لكن لا توجد قصة حب. كأن ما يعزل بين كل منهما و العالم الخارجيّ، يعزل بمنطق آخر بين ما يحدث في ذهنيهما، و ما يحدث في الواقع. هو عجز عن ترجمة المشاعر ترجمة كاملة، لأن أغلب المشاعر تضيع وقت الترجمة.
END OF SPOILER
أعتقد أن ما ضاع من الترجمة، لم يكن تلك المحاولات البائسة من بيل موراي للتفاهم مع اليابانيين من حوله، و إنما تلك القصة التي لم تحدث، و عرفنا تفاصيلها بطريقة خفية عرفت سرها صوفيا كوبولا. الحقيقة أنني بحثت عن سبب تسمية الفيلم بهذا الشكل، و لم أجد جوابا مقنعا. لم أتخيل أنني عند كتابة مراجعة للفيلم، سأجد ما يشفي غليلي، و إن كانت الكتابة قد أضاعت الكثير خلال ترجمة ما بذهني.
لا يوجد شيء استثنائي هنا، لو أردت فيلما يستمد جماله من الموجودات في سذاجتها، من رفضه للغرابة، فها هنا ما تريد.
ملاحظة: لا توجد مشاهد جنس من أي نوع في الفيلم. لكن هناك مشهد صغير في ملهى ستربتيز قد يمثل حرجا للبعض. سكارلت بجماله الفاتن، و لباسها المثير قد لا يترك البعض في وضع مريح جدا.
اضف تعليق