عام 1937 ولد ناجي العلي، ولم يعرف أحد اليوم والشهر اللذان ولد فيهما ناجي، في قرية الشجرة، تلك الشجرة التي تقع بين طبريا والناصرة، قلب فلسطين، والتي اشتهرت بشهيدها الشاعر عبد الرحيم محمود، وبمطربها الشعبي أبو عرب. هاجر ناجي مع أهله بسبب النكبة إلى مخيم عين الحلوة، اعتقل من قبل الاحتلال وهو ما يزال فتى، فقضى أغلب وقته يرسم على جدران الزنزانة، وكذلك فعل حين اعتقله الجيش اللبناني.
من طرابلس حصل على شهادة ميكانيكا السيارات، ثم تزوج من وداد صالح نصر من صفورية، وأنجب منها خالد وأسامة وليال وجودي. وفي إحدى زيارات غسان كنفاني إلى مخيم عين الحلوة، شاهد ثلاث رسمات لناجي، فنشر له أولى لوحاته في العدد 88 من مجلة الحرية عام 1961، ليسافر بعدها إلى الكويت ليعمل في صحيفة الطليعة الكويتية، ثم السياسة الكويتية، والسفير اللبنانية والقبس الكويتية والقبس الدولية.
من أهم ما ميز رسومات ناجي العلي، كانت شخصية حنظلة الصبي الذي يدير ظهره للقارئ في معظم رسومات ناجي العلي، خصوصا الرسومات التي تلت عام 1973، وهو عاقد يديه خلف ظهره، وصار حنظلة هو توقيع ناجي العلي على رسوماته، بل وأصبح رمزا فلسطينيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، تضعه الفتيات على شكل سلسلة من ذهب أو فضة، ويطرزنه على الأثواب والمخدات، ويرسمه الأطفال في دفاترهم. وقد ولد حنظلة حسبما يقول ناجي العلي بعد هزيمة 1967، ويقول أيضا:
ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء.
عدا عن حنظلة كان لدى ناجي شخصية فاطمة التي لا تهادن، مع رؤيا شديدة الوضوح فيما يتعلق بفلسطين، وكذلك شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين. مقابل هاتين الشخصيتين هناك شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له، والذي يمثل القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخائنة والانتهازية، وشخصية الجندي الإسرائيلي، طويل الأنف، الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال، وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
شاب مجهول أطلق على ناجي العلي، يدعى بشار سمارة، وعلى ما يبدو أنه الاسم الحركي لبشار الذي كان منتسبا إلى المنظمة، لكنّه موظف لدى الموساد في ذات الوقت، عملية إطلاق النار تمت في لندن في الثاني والعشرين من يوليو 1987، فأصابت الرصاصة ناجي تحت عينه اليمنى، فراح في غيبوبة حتى التّاسع والعشرين من أغسطس 1987، اليوم الذي توفي فيه، ودفن في لندن رغم أنه أوصى أن يدفن في عين الحلوة، ودفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230191.
الغريب في الأمر أن ناجي العلي كان قد رسم قبل وفاته مجموعة من الكاريكاتيرات، مصحوبة بعبارة “لا لكاتم الصوت”، وكاريكاتير آخر تمثل حنظلة وهو ملقى على وجهه وفي كعبه سهم، إشارة إلى أسطورة أخيل الإغريقي الذي لا يميته إلا كعبه. اعتقلت الشرطة البريطانية طالبا فلسطينيا يدعى إسماعيل حسن صوان، ووجدت أسلحة في شقته لكن كل ما تم اتهامه به كان حيازة الأسلحة، وفي التحقيق، قال إسماعيل أن رؤساءه في تل أبيب كانوا على علم مسبق بعملية الاغتيال، ورفض الموساد نقل المعلومات التي بحوزته إلى بريطانيا مما دفع مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، إلى إغلاق مكتب الموساد في لندن، ولم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع. وقد قام الفنان نور الشريف بعمل فيلم له باسم ناجي العلي.
اضف تعليق