يعيش الأفراد في العالم الإسلامي أزمة ثقةٍ بينهم وبين هويتهم، مما يدفعهم إما للتخلي عنها والتملص منها بالكلية أو إلى احتقارها والحطّ من شأنها، متناسين أن الأيام دولٌ والحضارات في تناوبٍ دائمٍ على القمة. وهذا ما ذهب إليه المخرج التونسي ناصر خمير في مشروعه السينمائي الفريد ثلاثية الصّحراء، محاولا صياغة بعض الصفحات من عبق التاريخ الإسلامي في عملٍ فني إستثنائي.
الثلاثيّة من كتابة وإخراج الكاتب والرسام والخطاط والمخرج السينمائي ناصر خمير الحاصل على منحة اليونسكو لدراسة السينما في سنة 1966. تضم ثلاثة أفلام طويلة :
1- الهائمون:
تم إنتاجه سنة 1984 وهو فيلم البداية. يتناول قضية انحطاط الحضارة الإسلامية في إحدى القرى النائية، في قلب الصحراء التونسية، حيث يعيش أهل القرية على وقع الخرافة بين الخوف من اللعنة والسعي وراء السراب، بينما يحاول معلم شاب إكتشاف اللغز الذي يخيف سكان المنطقة في سيناريو روائي “فنتازي” مماثل لحكايات ألف ليلة وليلة. الفيلم باللغة العربيّة، اللهجة الدارجة في الجنوب التونسي.
شاهد طوق الحمامة المفقود على يوتيوب
2- طوق الحمامة المفقود:
أنتج في سنة 1991 يرصد فترة مهمة من التاريخ الإسلامي حيث تزدهر العلوم والفنون في الأندلس. يبحث خطاط شاب عن معاني الحب الستين منطلقا من كتاب “طوق الحمامة” للعالم المسلم العظيم إبن حزم الأندلسي، في رحلة مثيرة بين الخيال والواقع. الفيلم باللغة العربية الفصحى بمشاركة ممثلين تونسيين وآخرين من مصر وسوريا.
3- بابا عزيز:
الفيلم من إنتاج سنة 2005 تتمحور أحداثه حول “التصوف”. عندما ينطلق “بابا عزيز” أحد شيوخ “الدراويش” رفقة حفيدته “عشتار” إلى أقاصي الصحراء لحضور مراسم التصوف التي تقام في قلب الصحراء كل ثلاث سنوات. حيث يتوجه الدراويش من كل مكان إلى هناك ليخوضوا رحلتهم الروحانية. الفيلم من بطولة ممثلين من شتى أنحاء العالم الإسلامي إيران ، تونس ، المغرب ، تركيا ، مصر إلخ .. والكل يتكلم لغته دون ترجمة.
شاهد فيلم بابا عزيز على يوتيوب
ثلاثيّة الصحراء، من المؤكّد أنها لن تعجب الجميع، إمّا لاختلاف اللّون السينمائي الذي يقدمه ناصر خمير، أو لضعف الأداء التمثيلي خصوصا في الجزئين الأول والثاني .إلا أنّ العمل جميل وفيه نكهة شرقية غاية في الروعة، تجعلك تكتفي بمشاهدة الألوان المثيرة ورمال الصحراء الذهبية والاستمتاع بالموسيقى الصوفية الساحرة.
أهم ما يمكن ملاحظته أيضا، أن خمير إعتمد أساسا على تعدد الشخصيات وتداخل الأحداث والأفكار في عمله، في أسلوب جديد على مستوى السينما العربية وحتى العالمية. إعتمد أيضا على أطفال لم يتجاوزوا العاشرة في أدوار البطولة في تلميحٍ منه أنّ الحضارة التي يرثيها في هذه الأفلام تحتاج شبابا وفتوةً لتغدو قائمةً كما كانت. ثلاثيّة الصحراء تجربة فريدة ووجبة دسمة للعقل والروح، أنصح الجميع بخوضها
من أجمل المشاهد التي أثارت اعجابي :
– كارثة كبيرة يا حاج .. النار يا حاج ..
– آش فما، آش بيها النار ؟!
– حولّت كتبي كلها الى رماد، واليوم قاعد اكتشف صحبة البشر.
اضف تعليق