في هذا المقال إجابة لخمسة أسئلة حول القراءة: لماذا، ماذا، لمن، متى، وكيف نقرأ ؟!
لماذا نقرأ ؟!
لأن القراءة حذاء العقل. القراءة واجبة، فهي نافذةٌ على الماضي، رفيقٌ في الحاضر، تهيئةٌ للمستقبل. أما النّافذة على الماضي، فإن القراءة كان لها الدور الأكبر في حفظ تاريخ الحضارات على مرِّ التاريخ. فأمّا ما قبل تبلور القراءة والكتابة، فإنّ قصص الحضارات الأخرى انتقلت شفهيا من الأجداد إلى الأحفاد، أو عبر رسوم الكهوف التي اكتُشفت، وهذا لا يعطينا سِوى تصور عام عمّا كانت عليه الحياة في تلك الحقبة. وأمّا عن رِفقة الحاضر، فإنّ القراءة من أفضل وسائل توسيع مدارك المرء. وهي التي تشكِّلُ القوة العقلية، وتنمّي القدرة على التفكير للقارئ الذي سيستخدمها ليعيش حياته بشكلٍ أفضل، أو للحصول على فترات نقاهةٍ فكريةٍ بعد يومٍ من العمل الشاقّ، أو لملإ وقت الفراغ. والقراءةُ أيضا تدريبٌ للمستقبل، فلكَ أن تتخيّل كيف أن عشرات، بل مئات الكُتّاب والقادة والفلاسفة جمّعوا خبراتهم عبر التاريخ بين دَفَّتَي كتابٍ سيوفّرون عليكَ الكثير من الوقت والجهد والمال. فيكفيكَ أن تقرأ تجاربهم فتتفادى الوقوع في أخطاءهم، وتثبت على آراءهم الصائبة.
ماذا نقرأ ؟!
ببساطةٍ شديدةٍ اقرأ أي مكتوبٍ تستطيع قراءته، وتشعر معه بأنكَ حصلتَ على الفائدة الثقافية أو اللغوية، أو مهاراتٍ جديدة، أو حتى لمجرّد اللذّة والمتعة. اقرأ مقالات، صُحُف، مجلات، كتيّبات، وحاول التنويع. إذا فعلتَ هذا فستجد نفسكَ حتما مشدودا إلى نوعيةٍ محددةٍ من الكتابات، كالتاريخية مثلا، عندها ركِّز عليها، ولكن لا تهمل قراءة الكتب المتخصصة في المجالات الأخرى من وقتٍ لآخر.
لمن نقرأ ؟!
لا يهم هذا كثيرا طالما وضعتَ لك غايةً أنّكَ تريد الاطلاع للثقافة العامة والاستفادة. الحكمة ضالّة المؤمن، أنّى وجدها فهو أحقُّ بها. ولا تجعل من عقليتكَ عقليةً مغلقةً عن الاستفادة. ولا تكن كصاحبيَّ المتناقضَين، الأول استنكرَ قراءتي لكِتابات جيفارا لأنه شيوعي، والثاني استنكر قراءتي لتركي البنعليِّ لأنه إرهابي !
متى نقرأ ؟!
خصِّص وقتاً يناسبك، فلا يوجد وقتٌ محددٌ لممارسة القراءة. المهم أن لا تشغلكَ القراءة عن واجباتكَ المفروضة عليك. ومن المهم أن ان تفرِّغَ نفسكَ تماما في المدة التي ستقرأ فيها. قد تتفاوت الأوقات المتوفرة للقراءة في أيامٍ دون أيام. في الحرب الأخيرة على غزة مثلا، ونظرا لتوقّف الأعمال والدراسة، كان يومي كله وقت فراغ، فكنتُ لا أترك الكِتاب الورقي إلا لآخر الكتروني. وأظن أنني قرأتُ كتبا في الخمسين يوما تلكَ تغنيني عن عامٍ كاملٍ من القراءة. انتهز أي فرصة للحصول على معلومة وإضافة فكرة.
كيف تقرأ ؟!
بإمكاننا اتّباع هذه الخطوات الخمس.
1_ ابدأ بالمقالات والكُتيّبات والكتب الصغيرة، فإذا وضعتَ الأُسسَ انطلق لتكمل بقية البُنيان.
2_ ابدأ بالكتب المثيرة لاهتمامك. بهذا ستتمكن دائما من تحفيز نفسك لقراءة المزيد، وبالتالي المواصلة نحو كتبٍ أخرى لم تكن مهتما بها من قبل. أما البدء بكتبٍ لا تمثّل اهتمامك فقد يؤدي إلى تثبيطك عن القراءة.
3_ اقرأ ما يناسب قدرتكَ على الإدراك. فإذا بدأتَ بقراءةِ كتابٍ واتّضح أنك لم تدرك منه شيئا فأغلقه فورا وانتقل لغيره. حدثَ وأن بدأتُ قراءة كتاب “درء تعارض العقل والنقل” لابن تيمية، إلا أنني لم أستطِع استيعاب شيءٍ غير المقدمة !
4_ استعِن بأصحاب الخبرة. من الجيد قبل الإقدام على قراءةِ كتابٍ البحث عن نبذةٍ عنه، أو استشارة شخصٍ قد قرأه ليخبرك بملخصٍ عنه. بهذا ستحدد رغبتك بقراءة الكتاب أو عدم رغبتك به، وتوفّر على نفسكَ وقتا وجُهدا، وربما مالا.
5_ قَوِّ ذاكرتك. قلنا أن الهدف من القراءة هو تحصيل المعلومات والمهارات والخبرات. ولكن بعض الناس –مثلي- يعاني من ذاكرةٍ اسفنجية، سريعة الامتصاص للمعلومات، وسريعة فقدانها أيضا. تغلّبتُ على ذلك بطريقتَين : الأولى، لو كنتُ أقرأ كتابا ورقيا فإنني أحتفظ بجانبه بمفكرةٍ أسجل فيها أهم ما ورد في الكتاب. وعند الانتهاء من القراءة أجد نفسي أمام ملخصٍ يسهِّل عليَّ استرجاع المعلومات وحفظها. الثانية، لو كنتُ أقرأُ كتابا الكترونيا، خصوصا في الليل عند انقطاع الكهرباء، فإنني إذا مررتُ على معلومةٍ مهمةٍ أقوم بعمل التقاطٍ للشاشة “screenshot”، وأرجعُ لها بين الفينة والأخرى لاستعادة المعلومات. بعد انتهاء الحرب على غزة فوجئتُ بوجود أكثر من خمسمائة لقطةٍ في مجلّدي !
لا يمكن ختم المقال إلا بالتوصية ببعض الكتب التي تساعد برأيي على تكوين مخزونٍ ثقافيٍّ جيد.
– في مجال التاريخ : احرص على قراءة كتاب “مختصر تاريخ العالم” لغومبريتش، فلم يمرَّ عليَّ كتابٌ في التاريخ العام أكثر روعةً وترتيبا ومتعةً منه. كما أن كتب الدكتور راغب السرجاني، أو محاضراته السمعية، زاخرةٌ جدا بالأحداث التاريخية وتحليلها. ككتاب “قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط” وكتاب “قصة التتار من البداية إلى عين جالوت”.
– في مجال الأعلام : فإن كتاب “السيرة النبوية” للدكتور علي الصلابي أعتبره شاملا كاملا عن حياة خير البشر. وكتب خالد محمد خالد بشكلٍ عامٍ جيدةٌ جدا. وكذلك كتاب “عظماء أسلموا” لراغب السرجاني. ولا تنسَ الاستعانة بالموسوعة العالمية (ويكيبيديا) فهي كنزٌ ثمينٌ من المعلومات.
– في مجال التنمية البشرية : كتاب “هكذا هزموا اليأس” لسلوى عضيدان، وتحدّثت فيه عن قصصٍ واقعيةٍ لأناس استطاعوا النجاح وتحقيق إراداتهم. وكذلك كتب إبراهيم الفقي، والتي لم أقرأ منها كتابا كاملا، إلا أن الكل ينصح بها.
– في مجال النوايا وأعمال القلوب : كتاب “تعطير الأنفاس” للدكتور سيد العفاني، فالكتاب تضمّن جمعٌ لأقوال العلماء فيما يُصلح النوايا أو يفسدها. كما تضمّن قصصا لبعض أصحاب القلوب الصافية النقيّة. وأنصح كذلك بقراءة أو الاستماع للسلسلة الذهبية في الأعمال القلبية لأبو محمد العدناني.
– في المذاهب الفكرية السياسية والدينية : انصح بكتاب “مذاهب فكرية معاصرة” لمحمد قطب، وأظن أن هذا الكتاب جامعٌ مانع. وأنصح بجميع كتاباته التي لا تخلو من فائدة. وكذلك كتاب “الإسلام بين الشرق والغرب” لعلي عزت بيجوفيتش.
– في مجال الأدب : أنصح بقراءة الأشعار العربية القديمة، وإعطائها حقها، فللأسف يميل معظم القُرّاء اليوم للقراءة للمتطفلين على عالم الأدب لسهولة وركاكة لغتهم. وأنصح بالقراءة لغسان كنفاني وأحمد مطر وتميم البرغوثي. والأدب الروسي في الحقبة القيصرية وما تلاها واقعيٌّ ومأساويٌّ جداً، أنصح بالقراءة لتشيخوف وتولستوي وديستوفيسكي، دون أن أنسى عمودي الأدب اللاتيني، غابرييل غارسيا ماركيز وباولوا كويلو.
وفي الخِتام، علّموا أولادكم حبَّ القراءة والاطّلاع، اهدوهم القِصص التربوية إلى جانب الألعاب والدُّمى. علّموهم من الصغر أن عزَّ أي أمةٍ يبدأ من كلمة “إقرأ”.
اضف تعليق