ليس هذا المقال حكما على توجّه فكر وصناعة السينما في بلد ما بأنها جيدة أو سيئة، ولا هو ترويج لبعض الأفلام، ولكنه محاولة للدّفع لاكتشاف أنواع وأشكال وأفكار أخرى من الأفلام فى بلاد الشرق بعيدا عن السينما الأمريكية التي أصبحت مستهلكة ومسيطرة تماما على العالم كله. بدأ بفيلم “وهلأ لوين؟” اللبناني و وصولا -وليس انتهاء- لفيلم “بسم الله” الباكستانى كانت مشاهداتي في العامين الماضيين، والتي اكتشفت فيها أفلاما رائعة من بلدان شرقية مختلفة.
وهلأ لوين؟ – لبنان:
يركّز هذا الفيلم على تأثير الحروب على النّساء وما تفعله فيهن. فقد الأبناء، الخطر المحيط، ومحاولات النساء المستميتة لوقف صراع الرجال. يتحدث الفيلم عن الصراع الطائفى فى لبنان ولكنه لايتطرق للتفاصيل السياسية والدينية للأمر ولا يصل إلى بيروت حتى، بل تدور أحداثه فى “ضيعة” صغيرة وشبه منعزلة فى لبنان. يتعمق هذا الفيلم في التفاصيل الإنسانية للحياة عندما تقوم الحرب.
طائر أبو الحناء – إيران:
تدور أحداث هذا الفيلم في قرية صغيرة بإيران يعيش فيها مسلمون ومسيحيون. إلاّ أنّ الفيلم لا يتحدث عن تعايشهم السّلمي أو غير السّلمي في هذه القرية. تدور الأحداث حول طفل صغير يتسبّب عن طريق الخطأ في موت صديقه. يبدأ أهل الطفل بالبحث عن ابنهم المفقود، ويبدأ هو -المتسبب في موته- برحلة بحث في الطب والدّيانات عن طريقة يعيد بها صديقه إلى الحياة.
انفصال – إيران:
رغم أن الحدث الرئيسي الذي تدور في محيطه الأحداث الأخرى فى هذا الفيلم هو انفصال زوجين لأن الزوجة تريد الهجرة لأميركا والزوج يرفض ذلك لتبدأ بالطبع مشكلة مع أيّهما ستعيش الابنة. إلا أن التّركيز في الفيلم ليس على هذا الأمر إطلاقا. بل إنّ الفيلم ببساطة يخبرنا أنّ هناك فرقا بين أن نسير فى اتجاه فعل الخطأ، وبين أن نأخذ أول خطوة فعلية فيه. فيلم آخر إيراني جيد ولنفس المخرج بعنوان “الماضي” لكنّ أكثر شيء مثير فيه هو أنّ الفيلم كله بالفرنسية والمخرج لا يعرف الفرنسية إطلاقا.
ابن بابل – العراق:
أكثر ما لفت نظري في هذا الفيلم هو عدم وجود موسيقى تصويرية به، وقد كان هذا رائعا. يتحدث الفيلم عن رحلة سيدة عجوز كوردية وحفيدها في البحث عن ابنها المفقود منذ حرب الخليج 1991. تبحث المرأة فى سجون بغداد ومقابرها الجماعية بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003. ميزة هذا الفيلم كما فيلم “وهلأ لوين؟” أنه لا يتطرق للقضايا السياسية الكبرى ولا يهتم بها، بل يركز فقط على رحلة هذه السيدة العجوز البسيطة جدا وهى تأخذ حفيدها للبحث عن أبيه الذي لا تعرف عنه شيئا منذ سنوات. مشاهد هذا الفيلم مؤلمة بشكل لا يوصف على المستوى الإنساني واللغة المستخدمة في الفيلم الكردية.
بابا عزيز – تونس:
هذا الفيلم جزء من ثلاثيّة “الصحراء” وهو صوفي تماما. يبدأ بجملة بليغة “الطريق إلى الله بعدد نفوس الخلائق”. يتحدث عن رجل كبير السن وحفيدته يسيران فى رحلة بالصحراء للوصول إلى المكان الذى يتجمع فيه الدراويش كل عام. هذه الرحلة التي يصورها الفيلم هي رحلة البحث عن الحقيقة، ومحاولة الوصول إلى كنه الأشياء. يشير الفيلم إلى أنّ كل الطرق تؤدى إلى الله، وأنّ لكل منا طريقه فلا يوجد طريق صحيح وآخر خاطئ. ينفصل الجد دوما عن الآخرين فتخبره حفيدته بأن الآخرين قد ذهبوا من هذا الطريق فيجيبها “لكلّ منا طريقه يا عشتار.” طوال الطريق تلتقي الفتاة مع جدها الضرير بآخرين لهم حكايات وهم يتوجهون إلى هذا الملتقى. تظل “عشتار” تستمع للحكايات طوال الرحلة من جدها وآخرين وهى حكايات لا تنتهي أبدا؛ حيث يتم الإنتقال من قصة إلى أخرى دون الوصول إلى نهاية القصة الأولى وهكذا دواليك. الأداء في الفيلم، الموسيقى، التصوير والحوارات، كل شيء برأيي رائع جدا. اللغة المستخدمة في الفيلم الفارسية.
بسم الله – باكستان:
تدور أحداث هذا الفيلم في أربعة بلدان وهي: باكستان، أفغانستان، إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. ربّما تمت مناقشة قضايا هذا الفيلم في أفلام أخرى من قبيل: ما حدث للمسلمين في أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر، غرق الشباب في دوامات التطرف والصعوبة التي يواجهها الآباء عند تربية أبناء مسلمين في بلاد غير مسلمة وغيرها. إلا أن المثير في الفيلم هو ربطه لكل هذه القضايا معا بطريقة جميلة. ومما يكسب هذا الفيلم قوة أيضا، كونه باكستاني؛ أي أنّنا نرى هذا المجتمع وهذه الحياة من الداخل. التمثيل والإخراج جيدون جدا وهو ما فاجأنى على المستوى الشخصي لأنني كنت أتوقع شيئا ما شبيها بالأداء في الأفلام الهندية، رغم إن الفيلم هندي باكستاني. لا أنكر أن نهايات الأحداث كانت بها بعض المبالغة بشكل أو بآخر، وليست على نفس مستوى جودة الفيلم إلا أنّ مشهد النهاية فى الفيلم عبقرى وجميل جدا، والفيلم فى مجمله أيضا جيد جدا.
اضف تعليق