مرّ شريف بيوم صعب وكان منزعجا جدا. فاتصل بصديقه المقرّب محمود ليشاركه همومه. ظلّ يحادثه عن قرفه من الحياة ووضعه البائس وسواد الدنيا بعينيه. تلقائيا، أخذ محمود يشجّع شريف ويحاول أن يدعمه ويشحذ عزيمته مستعملا عبارات مثل: “لا بأس يا شريف، حالك أفضل من غيرك” “ليست الحياة بهذا السّواد الذي تتخيله” “كفّ عن الشكوى، كلنا نمرّ بأيام كهذه سرعان ما تمرّ وتنقضي” وأخرى عديدة من قبيل” انظر للنصف الممتلئ من الكأس ودعك من النصف الفارغ”. يسمّى هذا في علم النفس Positive Re-framing أي إعادة صياغة الحالة بشكل إيجابي، أسلوب يُعتمد لتغيير التفكير الانهزامي بإدراج أفكار أكثر إيجابية. وهو ما قام به محمود باستعماله عبارات ايجابية في محاولة لإخراج صديقه من الحالة النفسية السيئة التي هو فيها.
لكن المفاجأة، أنّه انتشر مؤخرا بحث جديد في مجلة سيكولوجيا الشخصية والمجتمع Journal of Personality and Social Psychology يتناول محدوديّة فعالية هذا الأسلوب وخطورته حتّى. إذ أنّ الذين يستعملونه أحيانا لمساعدة الآخرين يلحقون بهم ضررا أكثر من تركهم بدون تفاعل أو مساعدة. خاصة لو كان الشخص ذو تقدير متدني للذات Low Self-Esteem. لكن كيف تكون عبارات التشجيع والتحفيز مؤذية للشخص المنزعج أو المتعب؟
ردّ دكتور دينيز ماريجولد Denise Marigold -المسؤول عن هذا البحث- حول هذه النقطة كما يلي: كثيرا ما تُفهم إعادة صياغة الحالة بشكل إيجابي عند الشخص المنزعج كعدم اهتمام أو عدم إحساس بمعاناته. فإذا شكى الإنسان المتعب نفسيا حاله لأحد ما، فهو لا يرغب في سماع عبارات تمنحه القوة وتشحذ عزيمته، بقدر ماهو بحاجة ليسمع ما يجعله يشعر أنّ من حوله يقدّرون تعبه وجهده ومتضامنون معه. الأمر أشبه بشخص كان في سباق. توقّف في منتصف السباق ولم يعد قادرا على الركض. هذا الشخص لا يحتاج أن يسمع “اركض يا بطل” “أنت أفضل من كثيرين أنهوا السباق” “أ تستسلم نهائيا، أم ماذا؟”. إنّه يحتاج عبارات أخرى مثل “نحن نقدّر كم أنت متعب، وسنكون معك حتّى تكمل السباق نحو خطّ الوصول” أو “من حقّك أن تشعر بالتعب، لقد ركضت كثيرا. لا بأس”. وهذا النوع من التّفاعل يسمّى في علم النفس Negative Validation، التقدير السلبي.
التقدير السّلبي ببساطة كالآتي: عندما يكون الشخص منزعجا ومتعبا أو يشعر بالكآبة لسبب ما، يحاول من حوله إشعاره بأنّهم يدركون أنّ الوضع/الحالة التي هو فيه ليست مجرد ادّعاء وتمثيل وأنّهم يتفهّمون ذلك ويرغبون فعلا في مساعدته. علم النفس الحديث ينصح بألاّ نقلل من قيمة معاناة أيّ شخص، ألاّ نعتمد فقط على كون الإنسان من المفروض أن يكتفي بالنّصف الممتلئ من الكأس وينسى مقدار الحزن والتعب الذي يتسبّب فيه النصف الفارغ.
في المرة القادمة التي يشتكي فيها شريف أو “يفضفض” لمحمود، نرجو ألاّ يردّد محمود نفس العبارات المعتادة وكفى، ويتخيل أنه بعباراته الفضفاضة يساعد شريف. الحلّ هو استبدال استراتيجيا بأخرى، من إعادة صياغة الحالة بشكل إيجابي للتقدير السلبيّة.
فكرة وإعداد: كيرلس بهجت
إعادة صياغة: نهى سعداوي
المصادر:
http://www.alternet.org/personal-health/do-opposite-what-you-think-you-should-do-depressed-friend
http://psychologydictionary.org/reframing
اضف تعليق