قرطاس،
ما الذي يخطر لك كمتابع أو قارئ، حين تقرأ اسم المجلة؟
ستتساءل لماذا “قرطاس” تحديدا، وتجده اختيارا غريبا لاسم مجلة. ربّما تفكّر قليلا فيحضرك البيت الشهير لشاعر العرب، أبو الطيب المتنبي، في الفخر:
الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
المتنبي فخور بفروسيته على صهوة الخيل في البادية وإن ليلا بقدر فخره بتعوّده أدوات القتال التي تعرفه ويعرفها. لم يكتفِ بذكر الرمح والسيف، بل أضاف “القرطاس والقلم”. فخره بنفسه فارسا في ساحة الوغى يعادل اعتداده بنفسه شاعرا ومتكلما ذي علاقة وطيدة بأسلحة المعرفة والفكر والنظم.
لعلّك معتاد على قرطاس عبّاد الشمس -اللّبّ، البذر، القلوب- حسب لهجات بلاد العرب، إذ تلتقي حول القرطاس وتختلف في تسمية محتواه. كما علّق صديق ضاحكا: ” أيعقل أن تعتمدوا ‘قرطاس’ اسما لمجلة ذات محتوى ثقافي وفكري؟ نحن معتادون على ‘قراطيس عبّاد الشمس’.” تُلفّ بذور عباد الشمس وغيرها من الفواكه الجافة والمكسرات في قراطيس ويتسّلى الواحد منا بها وهو يشاهد فيلما أو يجلس مع رفاق أو أهل. قراطيسنا هذه غير قرطاس المتنبي الذي يدون عليه أشعاره.
عم الهادي، بائع كتب تونسي، حين قرأ التسمية استحضر موقفا حصل معه في مكتب البريد فنقله لنا. اختلف مع الموظفة وهو بصدد إرسال مجموعة كتب فما كان منها إلّا أن صرخت: “اجمع قراطيسك وغادر”. اختصرت الكتب في القراطيس، ببساطة. أفقدتها قيمتها المعنوية والمادية عن جهالة. القراطيس بذهنها لا تخرج عن دائرة الورق الذي لا قيمة له. اعتمدت قرطاس بدل كتاب، بغرض الإهانة وتقليل الشأن.
بين قرطاس المتنبي الذي يفاخر به، وقرطاس صديقنا الذي يتسلى بمحتواه وقرطاس موظفة البريد الذي اختزل كتابا وقلّل من شأنه، أين نحن؟ نحن نأخذ من المتنبي فخره بالحرف العربي والقلم والقرطاس، دون إغراق فيه. فموقف الصديق يلفت انتباهنا لحقيقة واقعنا، ليترافق وعينا هذا مع غضب وانتصار لكتب عم الهادي وللكتاب عامّة. من هذا الخليط جاءت “قرطاس” المجلة الرقمية الجامعة.
مجلتنا، مبادرة شبابية عربيّة بخطّ تحريري حرّ مستقلّ. غير مسيّسة، لا تتبنّى ايديولوجيا بعينها ولا هي محسوبة على جهة ما أو فصيل. همّنا تقديم مادة ثقة، غير مبالغة في النخبويّة وغير مستهلكة. تفيد، تحفّز التفكير وتساهم في البناء. جامعة، تطمح أن تكون منصّة فكر وعلم وآداب وفنون. ليس أول اهتماماتها الخبر والحدث، إنما الفكرة والمعلومة والتجربة. رقميّة، تستعيض عن المحمل الورقي بمحمل رقميّ كوننا في عصر الشبكات المفتوح للمبتدئين الطموحين بتكاليف أقلّ جدّا من دور النشر والمطابع والمختصر للمسافات والنافي للحدود.
شعارنا “من كل حدب وصوب”، نابع من إيماننا بالسعي وراء الفكرة والمعلومة والتجربة الإنسانية والجماليّات، أينما كانت. يعاضده اعتقاد في لغتنا العربيّة وقدرتها على نقل الفكرة والمعلومة بغيرها من لغات العالم، تقريب الواقع الإنساني البعيد جغرافيا وتشارك قيم الجمال والفن عبر الترجمة، التعريب تحديدا.
اللغة السليمة، المحتوى البعيد عن مجرد نقل الحدث والانفعال والعاطفية، الطرافة والجمالية مع توفير المصادر، هذا ما ستجدونه في موادّنا. نحقّق إضافة في مجالات عديدة ومتنوّعة، نقدّم نقدا وقراءات مبنيّة على معرفة ومراجع، بعيدا عن الطائفيّة والترويج السياسي والإساءة للذات الالهية والرسل.
قرطاس، الانطلاقــة..
نهى سعداوي
-مسؤولة التحرير-
بالتوفيق :))
شكرا لكِ